‏إظهار الرسائل ذات التسميات إياد عصام الزهيري. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات إياد عصام الزهيري. إظهار كافة الرسائل

شيء ما




(1)
ــ ألووه .. ( رأفت يوسف ) معك .. أها ، نعم أعرف ... سيدي ، ليس هذا اختياراً ، إنه واجبي .. وأنا أعتبر واجبي فرضا .. لا .. لا .. نعم أعني هذا ... إذاً ماذا ؟ .. هل تدرك المشكلة حقاً ؟! .. لا .. لكن ربما إذا طلبنا هذا من ( عادل ) .. ( عادل فرج ) .. ربما يقبل ... حسنٌ إذاً .. اتفقنا ... إلى اللقاء .... إلى اللقاء ..

(2)
ــ قلت لك لا ... لن أفعل هذا .. عليك اللعنة لست أنا آخر خلق الله .... لن أفعل .. وأرجو ألا تتصل مجددا ... أ .. ألو ... ! ..

(3)
ــ تسألني ما بي ؟ .. لن تفهمني ما لم تكن أنا .. لا .. كل ما في الأمر أنني أموت .. مرحى ، ياللسعادة ! .. إنهم يطاردونني ، في كل مكان يا ( خالد ) و .......

(4)
ــ يا دكتور أشعر أنها حالة ( بارانويا ) متقدمة .. لا ، كل ما قاله : ( إنهم يطاردونني يا ( خالد ) ) ثم ( ليس هناك وقت ) و ( سأكون ميتا حينها ) ... !

(5)
ــ أنا الدكتور ( أحمد رجب ) .. نعم .. علمت يا أستاذ ( عادل ) أنك تعاني من شيء ما ... سيكون محببا لي أن تزورني في عيادتي إن استطعت ... نعم .. تريد العنوان ؟

(6)
ــ لا .. لا .. كانت مقابلة محيرة يا ( خالد ) .. لا .. صديقك مريض ( بارانويا ) عتيد يا عزيزي .. ما يحيرني هو خروجه للقاء الناس بدون مشاكل ... كلماته كلمات مريض ( بارانويا ) ، كذلك تفكيره : كله ليس طبيعيا ... ربما مصاب بالفصام أيضا .. ربما أيضا مرهق نفسيا ... هذا جل ما يمكن قوله عن ( عادل ) صديقك .. لا أعتقد أنني سأصرح بشيء مؤكد حاليا ...

(7)
ــ إنه طبيب فاشل .. أنا لست مصابًا بـ ( بارانويا ) الاضطهاد ، لكنني حتمًا مصاب بنوع آخر منها .. شيء ما يحدث .. وحتما لن أعرفه ، على الأقل قبل حدوثه .. ربما لن أعرفه أصلا .. دعك من هذا .. إلى اللقاء .. لا .. ونعم بالله .. شكرا .. إلى اللقاء ....

(8)
ــ لا يا ( رحاب ) .. أقول لك أرسلت خطابًا غراميًًّا لفتاة حَوْلاء ، وتقولين لي أن أهدأ ؟! ..دسست الخطاب تحت عقب الباب ، وذكرت فيه أنها صاحبة أجمل ابتسامة في العالم – عليَّ اللعنة ، لا أفهم كيف قلت هذا ! ــ وأراهن على أنني اكتشفت مدى " جمال " هذه الابتسامة بعد علقة ساخنة .. نعم للأسف .. لا أعرف إن كنت أنا الذي فعل كل هذا .. لا أعرف شيئًا .. ! .. أنا لا أدرك أنني أفعل أشياء كهذه حتى وأنا أفعلها .. لكنني أنام – لابد من النوم هنا – وأستيقظ لأجد الجيران كلهم عند الباب يطالبون بتفسير موقفي وإلا سأكون في مشكلة إن لم أقنعهم ، ثم يعود إليّ سيناريو ما حدث كاملا .. وفي النهاية أرسم تعبيرا غبيا على وجهي ، متظاهرا بعدم معرفة ما يحدث في هذا المكان .. ثم أفتعل الاعتراض على دخولهم شقتي بمثل هذه الطريقة ، حينها لا أنكر أنهم لا يتركونني إلا بعد تقريع قفاي ..
 أمس أتاني والد الشمطاء ، صاحبة أجمل ابتسامة في العالم ، وبسهولة يمكنك تخمين ما حدث .. اليوم أتاني صاحب العمارة شخصيا ينعق في وجهي : " الإيجااااار " ... وغدًا تأتيني الشرطة بتهمة قتل أحد عابري السبيل ... لربما قتلت شخصا وأنا لا أدري ، وأنا في غيبوبتي الغريبة هذه .. لربما لست أنا ...

(9)
ــ أريد غرفة لشخص واحد .. سأكون موجودًا غدًا ... وحدي طبعًا ، لماذا برأيك أطلب غرفة لشخص واحد إن لم أكن وحدي .. ؟! .. أريدها باسم ( عادل فرج ) ...

(10) انتهت المكالمات ، حان للسرد أن يبدأ ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساقه الشارع الممتد ، الحي على ضوء عمود النور العجوز ، إلى الفندق المعهود . دهس حشرة بحذائه قبل أن يطأ أولى الدرجات .. صعدها اثنتان اثنتان ، وقبل أن يدخل حاول أن ينزع أحشاء المرحومة من أسفل الحذاء ..
هناك ، حيث مكتب الاستقبال ، ينظر الموظف بعينين غائمتين ، ويحاول أن يغلق جفنيه استمتاعًا بنشوة النوم أثناء العمل التي يطرب لها أي مصري أصيل .. لم يكن وجود ( عادل ) محببا في هذا الوقت ، على الأقل بالنسبة للموظف الناعس ..
ــ المفتاح ...
ــ همممم ..
ــ المفتاح ، باسم ( عادل فرج ) ..
ــ ممممممم ..
مازال نائما ....
ــ أين المدير ؟!!
ــ لا يا سيدي أنا مستيقظ ، أنا مستيقظ ، ماذا كنت تريد ؟!!
ــ المفتاح ..
ــ همم حسنٌ ..
هذه المرة بصوت أعلى قليلا  :
ــ أين المدير ؟!!!
كان يستمتع بهذا ، أن يلعب شيطان المزاح في رأسك فتؤرق نوم هذا الموظف الذي يعمل ورديتين .. ممتع بالنسبة لـ ( عادل ) ..
ــ لا .. لا .. ها هو .. ها هو ...
*
من مذكرات ( عادل فرج ) - إذًا هو يكتب المذكرات - :
" أسوء حالات الفصام أو ازدواج الشخصية ، أن يعرف المريض أنه مصاب بها ... وأنا مريض بهما معًا وأدرك هذا جيدا .. "
*
في غرفته ...
تك .. تك ... تك
منبه يلعب على الخط الفاصل بين الصحو والنوم ، فيقحم ( عادل ) في حلم ملفق عن الدودة التي صارت تلعب الجولف ، والـ ... الماذا ؟! ... كان ( عادل ) يعرف أنه حلم ، ولذا بدت نظرة فرويدية في عينيه حين استيقظ ، إنها أحلام المنبه : " يعرف النائم أنه يحلم " ..
 وضع النظارة على عينيه ليشعر أخيرا أنه يرى .. ومطّ جسده في استمتاع .. الراحة ، هذه هي أسرّة الفنادق يا صاحبي وليست كالتوابيت التي ينام عليها أي إنسان عادي ..
كان الصباح في أوله .. تشقشق السماء عن شيء يسمونه النور .. وتتبادل العصافير السباب كما يقول الإنجليز .. يتبدل لون السحاب فيبدو كقطع قطن كبيرة في بحر عريض من الزُرقة ..
 هيهات .. ! .. إنه الصباح ...
*
من مذكرات ( عادل فرج ) – إذًا ما زال يكتب المذكرات - :
" حين أبحث عن الحقيقة أكونُها .. أكون الحقيقة ؛ مع مزيج من الزيف والأكاذيب .. واللاشيء ... "
*
أمس ؛ دسَّ في يد الموظف نصف جنيه معتذرًا عن ظاهرة ( اللا فكة ) أو ( اللا مال ) أساسًا .. عليه أن يعترف لقد أحسَّ ببعض تأنيب الضمير ..
سيناريو الليلة الماضية لم يكن جيدًا .. والبطل كان أحمقًا مكتئبًا .. لذا يتوجب أن تحدث بعض التعديلات هنا ....
إنها العاشرة صباحًا ... يستيقظ .. ينظر إلى المنبه .. ويغفو دقيقتين ...
*
مؤذن ينادي أن " الله أكبر " .. إنها الثانية عشر إذًا ...
شرود لعين يسحق أقل فرصة للتفكير .. يعلن السيطرة التامة على أركان العقل ... إنه ليس التأمل ، وليس بالتأكيد شرود الفلاسفة .. إنه فقط شيء غريـــــــــــــ.....
*
يـــــــــــــــب ...
الواحدة إلا عشر دقائق ...
الغريب حقًا أن كل هذا يحدث في أسبوع واحد فقط .. كأنك مستهدف يا ( عادل ) و... أها .. هناك شيئين غريبين حقًّا ...
ـ أولا : شخص ما يطرق الباب وأغلب الظن أنه موظف الاستقبال بملله العتيد .. !
ـ ثانيا ( وهذا الأهم ) : ( عادل ) لا يستطيع حراكًا .. !
ـ ثالثًا (إذًا هناك شيء ثالث ) : بشكل ما هناك ( عادل ) آخر يفتح الباب الآن .. يأخذ شيئًا من الموظف .. يغلق الباب .. يلتفت ناحية ( عادل ) الأول الراقد على السرير ... ويضحك .. ضحكة أخيرة لكليهما .. بعدها يكون أحدهما في المستشفى يحتضر .... !

                                             
 3 سبتمبر 2013

إياد عصام الزهيري .

النداء ( 2 )

(5)

تحكيه : ( محروسة )
*
تقول :
سعيدة لأنني أموت .. الحق أن الحياة تبدو تافهة حين تنظر إليها من أعلى .. صغيرة صاغرة .. قبيحة كأقبح ما يكون .. وأقصر من أن يحياها المرء في سلام ... هي جنازة يتصارع السائرون فيها على الوصول إلى النهاية أولا .. !
*
محروسة :
ــ مات أبي ، ككل أسرة فقيرة من ستة أفراد ، طبعا كانت أمي صارمة لا تعرف شيئا ، بل لا تهتم أساسا ، بأحلامنا الطفلة الصغيرة ، فعملت أخواتي الثلاث خادمات ، وكان مقدرًا لي أن أبقى مع أمي ، بحكم سني الصغير ، لأعمل معها في الحياكة .. نكسب جنيهان في اليوم و ... المهم ، كنت أختلف عن أي طفل تعرفه أنت .. ليس لأسباب محددة .. مجرد نفحات غريبة من عالم أقل ما يمكن أن نسميه به : " آخر " .. ( تنهيدة صادقة طويلة ) ... مشكلتي أنني أمضيت حياتا تمتلئ بالمشاكل ، وبدَأتْ أولها بمولدي .. كنت أنا في حد ذاتي مشكلة ، عبئا على عاتقين وصلا منذ يوم مولدي إلى مرحلة الكهول .. كح ..
 كنا نفرغ للنوم فقط .. لم يكن هناك وقت لهذه التفاهة .. للطفولة .. ( بنظرة من ( عماد ) أدركت أن عليها أن تختصر ) .. المهم هنا هو أنني كنت أترك المنزل في الليل ، وأذهب للساقية .. قلت لك ، لم أكن كأي طفلة .. كنت سادية مع نفسي .. أجلس في مكان لا يكون لي فيه حائط ، ولا جدار يشعرني بالأمان .. ينتفض جسدي حالما أشعر بنسمة هواء عابرة ، فأقفز ناظرة للخلف في ذعر ، ثم أجلس كما كنت مرة أخرى .. أنت تعرف خيال الأطفال .. لكن ما أرويه لك ليس خيالا ؛ كان حقيقيًّا صارخًا في وجهي كالحقيقة ذاتها .. كحياتي البائسة هذه ..
لقد أدركت جيدًا أنني كنت أعذب نفسي بدافع ما .. كنت أمقت هذا .. كنت أكرهه .. لكنني على الرغم من كل شيء ، كنت أعود ...
طق .. طق .. تييييييييييييييك ....
الباب يطقطق ويصرصر .. كأنه يحثني على البقاء ..
ــ أرجوكِ لا ترحلي .. ابقي هنا أرجوكِ
كانت هذه أنا .. لكنني ( أو لكنها ، لا أعرف حقًا ) قررت الذهاب .. حسنٌ .. لا أعرف إن كنت مريضة بفصام أو بازدواج شخصية ، لكنني أعرف أن فاصلا ما ينشأ بين الشخصيتين ، فلا تتخاطبا أبدًا .. لكن الملعونة نالت مني ، وتمكنت تمامًا من عقلي .. كنت أعرف بوجودها ، شعرت بي وبها داخلي .. كانت تلهو بي .. وعليك أن تصدق وإلا فلا تسمع من الآن ... !

عماد :
ــ أنا لا أستطيع أن أحدد موقفًا قبل سماع القصة كاملة .. أكملي أرجوكِ ، لكن رجاءً اختصري ..

محروسة :
ــ حسنٌ .. أمضيت أسبوعًا على هذا الحال المقيت حتى عرفت أمي .. والويل كل الويل الآن .. بعد علقة من خرطوم اعتادت أن تجلدنا به ، استمرت بين مكذّب ومصدّق ، ورأت أن سحق طفولتنا بخرطومها اللعين قد يكون نوعًا من الاحتياط .. في النهاية فشلت في منعي .. واستطعت أن أذهب مرة أو مرتين ..
 هاهي أمي تنظر لطفلة من أطفالها تترك المنزل على أطراف أصابعها ، والفجر يبسط لونًا رماديًا على الوجود .. رأت طفلتها تتسلل كي تذهب للساقية ، وتجلس وحيدة جوارها ، رأتها تتأوّه ، وتبكي ، وتنادي أشخاصًا ، وتكلم أشخاصًا ليسوا موجودين .. !
وتبقى هكذا فترة ، حتى يؤذن مؤذن ذو صوت شديد القبح ، فتهرع الطفلة إلى المنزل كأن شيئًا لم يكن ، كأنها مغيّبة غائبة عن عالمنا هذا ..
هب لك أن تتخيل عدد النصابين والدجالين اللذين قررت أمي أن تعتمد عليهم .. يطلبون أشياءً مثل عين العنكبوت ، وأحشاء الفأر ، وأمي تصدق ، كل ما فعلته أمي هو أنها كانت تصدق الناس في أطفالها ، ولم تصدق ـ بل لم تنصت حتى ـ لأطفالها أبدًا .... الخلاصة أنها كانت تحاول منعي بأي شكل من الأشكال .. كي لا أؤثر على العمل ، على ما نكسبه .. !! ، لن يتهم أحد أمي بحب أطفالها .. مستحيل ، وإلا فهو مخبول ، أو كاذب ، أو منافق ... !
القصة تبدأ من هنا .. ليلتان محتجزة في الدار .. لا سبيل للهرب من هذا الخفير الذي أحضَرَتْهُ ، أظن أن هذا هو عمله فعلا : منع أمثالي من الهرب .. ! .. لك أن تتخيل ما كان يحدث كل ليلة ، صراع طويل للهروب ، صراخ ، لكن لا ، نالوا مني بسهولة ..
لم أجد حلا في النهاية إلا أن أنادي أصدقائي .. نعم ، أصدقائي اللذين يسكنون قرب الساقية .. أغراب لا دخل لهم بحياتنا ، لكنهم صاروا أصدقائي ببساطة .. في الواقع شعرت معهم بشيء من الدفء والطمأنينة ، وكانوا يحبون أن يخيفوني ثم يضحكون .. كانوا قبيحي الوجه ، لكنني أحببتهم ..
حالما ناديت اسمًا واحدًا أو اثنين هرعت أمي تمسك الخرطوم لتجلدني به ، حاول الخفير منعها ، لذا أظنني ممتنة له كثيرًأ .. وها نحن نصل لمشهد النهاية ، في الصباح ، أيقنت أمي أنه لا سبيل لمنعي ، عاجلا أو آجلا سأرحل ، بإرادتها أو بدونها سأرحل .. وربما لا أعود ، فكانت أرقّ تعاملا معي ـ عدم التحدث نهائيًّا ، وعدم الاهتمام بما أقول ، هو أرق ما قد تصل إليه أمي ! ـ .. لذا كان سهلا أن أخطف السكين من فوق المنضدة وأن أقترب منها ، وأن أقول لها " وداعًا " ، وأن يكون السكين في صدرها حالما تحاول الكلام ... !!
أنا قتلت أمي ، لكن الملعونة ، التي تتقاسم روحي معي ، قتلت إخوتي .. لم أكن أريد هذا ، كانت تسيطر عليّ وتتحكم في أفكاري وأفعالي .. لذا .. كح ، كح  .. لذا قتلت عائلتي كلها ... ( تبكي بحرارة ) .. لا ، ابقَ .. أقول لك أنني لم أكن أدري ما أفعل ، لا تخف أنا لست قاتلة مخبولة .. أنا فقط .. أنا فقط لا أعرف من أنا .. لقد أمضيت حياتي كلها أحاول إقناع الناس بأنني قتلتهم جميعًا ، لكنهم لم يصدقوا ..
من هذه الطفلة التي تقتل أمها وأخواتها ؟!! .. لم يصدقوا ، وأمضيت حياتي مقذوفة بالطوب ، ينادونني بـ" المجنونة " ، ويسخرون مني .. لقد عانيت .. عانيت أكثر من أي أحد ، ولن أجد فرقًا لو أبلغت عني الآن .. لأنهم لن يصدقوا ، بل ربما يتهموك بالجنون معي .. !

عماد :
ــ ....................................

*
(6)
*

خرج بطلنا الدكتور من الغرفة محطمًا .. لقد آذته تلك الملعونة .. ولن ينسى ما قالته أبدًا .. لقد قتلت عائلتها كلها ، في كلتا الحالتين تبقى مجنونة .. وسينادونها " مجنونة " إلى الأبد .. يراها تستحق ...
سيرحل من هنا ، عليه أن يرحل وإلا سيجن جنونه .. عليه أن يهرب من هذا الجحيم .. يشم هواءً طلقًا جديدًا ، بعيدًا عن أنفاس العجوز المحملة بالقتل ، والـ .. الماذا ؟! .. لا يعرف ، عليه فقط أن يبتعد ... لا تدخن ، إنك في حال يرثى له وهذا لا يسمح بالتدخين قط .. اهدأ الآن .. اذهب إلى منزل ( حمدي ) صديقك ولسوف تكون الأمور على ما يرام ....

*
ــ ( حمدي ) ليس هنا .. تفضل ...
ــ ومتى يعود ؟!
ــ لا أعرف لكنه قال أنه لن يتأخر ..
ــ هل يمكنني انتظاره هنا ؟

*
ــ أهلااااااااااااااااااااااان ( عماااد ) .. لقد أصبحت طبيبًا ونسيتنا يا رجل ..
ــ كيف حالك ؟
ــ الحمد لله .. تعال .. يبدو أن لديك ما تقوله ..
يتنهد في ملل ..
ــ نعم لديّ .. هل ندخل ؟!
ــ نعم ، اعذرني .. تفضل ...
في الداخل :
ــ " بت يا ( سعاد ) .. " .. الشاي ..
يقول طبيبنا الحزين :
ــ ( حمدي ) .. عليك أن تعرف هذا ، لقد.....
هاهو يروي في غير استمتاع ، و( حمدي ) يصغي جيدًا .. يرشف رشفتين من الشاي .. يبتسم .. يقضب حاجبيه .. يبعد الذباب عن وجهه .. يبتسم .. يمسك ذقنه متظاهرًا بتحليل الموقف ... يفعل كل ما يمكن فعله أثناء سماع شخص ما و ... يبتسم ... ثم يقول بلهجة يحاول أن يجعلها غامضة :
ــ أنا أعرف هذه المرأة .. نعم ... لقد رأيتها في المنام ..
ــ ( حمدي ) لا تمزح .. دعك من تفاهاتك وقل لي ، هل تعرفها حقًّا ؟!
ــ أقول لك رأيتها في المنام ..
ــ ..........................
ــ سأثبت لك ... اليوم نذهب وأريك دارها .. إنه مكان يخشى الناس الاقتراب منه كثيرًا .. قلت لي ما اسمها ؟!
ــ ( محروسة السيّد علي ) ...
ــ حسنٌ .. في السابعة نلتقي عند الساقية ...

*
السابعة مساءً ..
هاهو ( حمدي ) ببطنه العظيم .. هذا التضخم لا يُنتَج بواسطة ما يأكله البشر العاديون .. ولذا بدا وجهه ضخمًا تحت ضوء عمود النور العجوز .. بأنف كادت أن تخفيه الخدود ، وساقين قصيرتين فلا يبدو تمامًا أنه يمشي ، بل يهم بجهد عظيم .. هذا هو ( حمدي ) .. نعم ، كثير الكلام ، بل ربما فاق ( أم حسين ) التي تحدثنا عنها سابقًا .. ما تكاد تعرفه حتى يبوح لك بكل أسراره وخفاياه .. وهذا ما يربطه بك إلى الأبد بلا فكاك ، لأنك أصبحت تحمل أسرارًا تماثله حجمًا الآن ... !
هب لك أن تتخيل المنظر .. بقايا منزل هنا وهناك وفي كل مكان .. خشب وأشياءٌ أخرى ..  الساقية تتحرك ببطء وملل .. تهدر عاليًا كأنها تنادي الموتى والأحياء .. تذكرهم بأسمائهم الأولى ..
ــ يا أنت .. تعال لبِّ النداء .. لستُ النداهة فلا تَخَفْ .. لستُ ممن اعتادت جدتك أن تحكي عنهم .. أنا أنت .. فلبِّ النداء ..
ارتجف ( عماد ) من هول الفكرة .. هذه الساقية حية بلا شك .. ! ..
نظر له ( حمدي ) في تشفٍّ كأنه يسمع ما يفكر فيه ..
ــ ماذا بك ؟!
ــ لاشيء .. أين المنزل ؟! ...
ــ هنا ..
يفتح ( عماد ) فاهُ في غباء ..
ــ هنا ؟!! .. تركتني هنا وحدي ؟! .. ماذا بك ؟! .. هل جننت ؟!
يرفع ( حمدي ) حاجبيه .. إنه يمثل بلا شك :
ــ وماذا كنت تريد ؟ حسبتك لا تصدق هذه الأشياء .. ! .. لا يخاف من لا يصدق ..
ــ أُفْ .. وهل أزالوه ؟!
ــ نعم ، منذ فترة لا بأس بها ..
ويأتي السؤال الجيد :
ــ قل لي .. كيف عرفت أن هذا المكان بالتحديد هو ما كان سابقًا منزلها ؟! بل كيف عرفت العجوز نفسها أصلا ؟!!
يهز رأسه في فخر :
ــ أنا ممن يحبون هذه الأشياء .. هادم أساطير ، لكنني لست محترفًا ، ما زلت مبتدئًا بعد .. لذا كنت أسعى منذ فترة وراء العجوز .. وها أنت وجدتها ..
ــ ولماذا جئنا إلى هنا ؟!
ــ لأحكي لك ..
ــ تحكي لي ماذا ؟!
ــ أحكي لك ما حدث .. ما بك يا ( عماد ) ؟!!
ــ لكنها .. أ .. ابدأ إذًا ..

*
 (7)
يحكيه ( حمدي )
*
ــ رقيقة بطبعها .. حالمة كالوجود .. ساحرة ساهرة حتى الصباح ..
 تحتاج الثمرة إلى من يقطفها .. لكن هذه الثمرة ، تلك الفتاة ، لم تحظ بمن يقطفها أبدًا ..

*
حمدي :
ــ يقولون أنها كانت بارعة الحسن والجمال .. تمشي على القمح فلا تكسر له عودًا .. في أي قصة درامية يلزم وجود زوجة أب سيئة .. لكن للأسف أخذت أمها هذا الدور .. لم تظلمها وحدها ، بل ظلمتها هي وأخواتها الثلاث .. هنا يمكننا أم نقول أنها كانت أمًا منصفة في ظلمها لهم ..
عاشت الفتاة حياة بائسة بحق .. و...

عماد :
ــ ألا تختصر قليلا ؟!!

حمدي ( كأنه لم يسمع ) :
ــ لا تقاطعني .. هربت أخواتها الثلاث إلى القاهرة .. كنَّ جميعًا متقاربات في السن .. واحدة في العشرين وأخرى أقل قليلا .. والثالثة في السابعة عشر تقريبًا ...

عماد :
ــ اختصر أرجوك ..

حمدي :
ــ  حسنٌ .. بقيت الفتاة الصغيرة ، مع أمها .. أنت تعرف الأطفال ، لقد رفضت ببساطة أن تترك أمها لأنها .. أمها .. في النهاية هي طفلة يتيمة الأب .. ولا حاجة لها بفقدان الأم أيضًا .. سرعان ما ستعرف الفتاة أنه كان عليها أن تهرب .. أن ترحل بعيدًا ، لأن أمها ستسحق طفولتها عاجلا أو آجلا ... هذا ما يقولونه عنها ..
سأحكي لك جزءًا لا يعرفه أحد .. جزءًا اكتشفته بنفسي مؤخرًا .. لقد كانت الفتاة ملعونة .. تذهب مرغمةً وتجلس هنا حيث أنت تمامًا .. نعم ، ابتعد عن هذا المكان كي لا تصاب باللعنة .. نياهاهاهع .. المهم .. تجلس هنا وتنادي أشخاصًا غامضين .. أسماء أولى فقط .. ويأتون بالفعل .. مرة تجدها تبكي .. ومرة تبتسم .. ومرة تضحك بصوت عالٍ .. ومرة أخرى ، وربما كانت هذه الأخيرة ، تهرع خلف  أحد أولئك اللذين تناديهم .. تصرخ :
" لا أرجوك .. لا تقتلهم .. " ، ويبدو أن هذا المسخ يرفض فسقطت في مكانها تبكي ، وتبكي .. حتى جاء النهار وحتى وجدوها في دارها ملطخة بالدماء .. حية لكن على مشارف الموت .. وطبعًا لم يصدقوا شيئًا مما قالته ..

عماد :
ــ ماذ تقول ؟! .. لقد حكت لي العجوز شيئًا مختلفًا تمامًا ..

حمدي :
ــ الفتاة لم يكن اسمها ( محروسة ) .. كان اسمها ( فوزية ) ..

عماد :
ــ ومن أين عرفت أنت ؟!!

حمدي :
ــ حسنٌ .. عليَّ أن أعترف .. لقد حكتها لي جدتي من قبل ... وأقول لك : لقد كانت العجوز تهذي .. 

عماد :
ــ عدنا لتخريف الجدات ... قم بنا نرحل .. عليك اللعنة لا أعرف كيف قبلت هذا ...

يُتبع .....

3 سبتمبر 2013



إياد عصام الزهيري .

النداء ( 1 )

 (1)

هذا هو بيت القصيد .. مرة أخرى ، ككل المرات التي سبقتها ، يسلك نفس الطريق ، يرى نفس المنازل ، نفس الأشخاص ، نفس أعمدة النور .. نفس كل شيء ..
( عم جلال ) يبيع ألعابًا فاسدة للأطفال ، بالطبع يحتال عليهم بشكل ما ، وعادةً ما يعود أغلبهم ثائرين مطالبين بأموالهم ..
أم ( شخص ما ) تفعل شيئًا ما في شرفة منزلها .. تحت الشرفة يكون ابنها ( أحمد ) ( إذًًا هي أم ( أحمد ) ) – جالسًا على الرصيف يلهو بالكلاب الصغيرة الوليدة منذ أيام ، وأغلب الظن أنه يجمعها من بين مقالب القمامة ..
بعض المصلّين يكونون عائدين لتوّهم من صلاة الجمعة ، من بينهم ستجد ( سيد ) ، منظم عمليات البحث عن الكلاب الوليدة منذ أيام .. طفل صغيرهو ، من طراز الأطفال اللذين يظنون أنفسهم رجالا ، ويشعرون بالإهانة إذا قلت لهم أنهم أطفال .. ستجد ( فؤاد ) والده ، شخص لا يتهمه أحد بالحكمة على الرغم من أنه يدّعيها ، مغرور يتمتع بقدر هائل من الفراغ النفسي .. ستجد ( جابر ) الغفير ، و ( علي ) النجّار ... وكل أولئك القوم اللذين لا يصلون غير صلاة الجمعة على مدار الأسبوع ..
هنا في القرية ، بسهولة يمكنك أن تجد شخصًا اسمه ( سنتريسي ) أو ( سطوحي ) أو أي اسم من هذه الأسماء التي تفكر فيها أول الأمر : " من المخبول الذي يسمي ابنه بهذا الاسم ؟!! " ثم تفكر مرة أخرى فتجده طريفًا ، أو تجده في النهاية ملفقاً .. القضية هنا ليست حال الاسم ، بل حال القلب مع الاسم ، وحال تعلق المرء بأسماء كهذه من باب تعلّقه بقريته وموطنه الأصلي ...
هنا على اليمين ، تجد المقهى ، ناهيك عن بعض الـ...
ــ نيهاهاهعهااااي .. هعهعهعهع
ضحكات كفيلة بإحياء أموات ( بلجيكا ) ,, وطفل يلعب شيطان المزاح في رأسه فيخطف النرد من طاولة اللعب ويطلق قدميه للريح ... فيهرع مرتادي المقهى كلهم خلفه كأنهم فعلوها عشرات المرات في عشرات الأيام من قبل ...
ــ ( حرااااااميييييي ) .. تعال هنا يا ابن اللصوص ...
من حسن حظ الفتى أو من سوء حظهم أنهم لا يعثرون عليه أبدًا ، وتفسد اللعبة وتنتهي على شجار بينهم على " من يفوز " ...
 أما إذا تخطيت المقهى ودخلت هذا الزقاق الطويل ، وسلكت زقاقًا آخر بعده ؛ فقد أُقحِمتَ في براثن أم ( حسين ) أمهر نساء القرية في النميمة .. ابنها ، ( حسين ) ، جالس بملابس الفلاحين المعتادة : الكالسون والصديري ..يفترس البطيخ ويبصق بذره على الأرضية من حوله ، يشاهد التلفاز لكن عقله مشغول بشئون الأرض ومشاكلها ...
عندما تقرر أم ( حسين ) أن تتركك وترحل أنت حامدًا الله على نعمة الحرية ، تكون قد اقتربت من هذا البنك الزراعي الصغير .. تعبر الشارع ، ( جميلة هي قلة السيارات في القرى ) ، سيكون أول ما تراه هو المركز الطبي .. لن تحب الدخول ، فدع ( عماد ) يدخل وحده لكي يمارس عمله اليوميّ ...


(2)

نفس المرضى ، نفس الأدوات الطبية ( لا داعي أبدًا لوصفها ) .. في النهاية ؛ نفس المركز ..
في ملل دخل المكان الذي يفترض به أن يكون مكتبًا .. بضع حشرات تحتفل في ركن الغرفة ، وتنهي الحفل الصاخب عقب دخول صاحب المكان الذي يفترض به أن يكون مكتبًا .. ! ..
كعادته مضى ناحية النافذة ، دس رأسه في فرجتها و...
ــ ( إبراهيم ) ... القهوة ...
ــ تريد شيئا آخر يا دكتور ؟!
لم يرد لأنه كان في الداخل بالفعل ..
سرعان ما سيأتي ( إبراهيم ) الخفير الطيب بفنجان القهوة ، ويخرج دون ان يلاحظ ( عماد ) وجوده ، أو دون أن يحب ملاحظته .. سرعان أيضا ما سيقلب ( بسيوني ) القرية رأسًا على عقب :
ــ بيب .. بيب .. بييييييييييييييييب ... بروووم ....
ويركن السيارة أمام بابا المركز و ..
ــ ( عمآااااااااد ) .. يا رجل ما بك ؟! .. تبدو مثل السيارة الـ ( كونبيل ) .. هعهعهعهع ..
اضطر إلى تفسير المزحة لأن ( عماد ) ، الناظر من النافذة ، لم يفهمه جيدًا ..
ــ أقصد أنك تبدو عتيقًا يا دكتوووور .. هعهعهع ...
ثم يسأل سؤالا وجيها :
ــ يا دكتووور .. ألا تعرف دواءً جيدًا للحموضة ؟!!
ويقفز الدرجات المعدودة متجها إلى حيث يكون " الدكتور " .. يجلس على كرسي خشبي ، ويأخذ فنجان القهوة فيجرعه جرعة واحدة أمام نظرات ( عماد ) الساخطة .. ثم يتحدث فيطيل الحديث ، وبالتأكيد عن شيء من هذين : " السيارات .. أوكيفية القيادة المحترفة ... " ..
في النهاية يضطر ( عماد ) إلى التملص منه مدّعيًا الاهتمام بصحة مريضيه الاثنين .. !
شاحبان كمصاصَي دماءٍ ، طاعنَان في السن .. ثملان من المرض ، وبالتأكيد من متلازمة كبار السن : ( السكري ، وضغط الدم ) و ... هناك ما يستحق إضافته .. كلاهما يحب الثرثرة ....

(3)
بصوت ( عبد الحميد ) – أحد المريضين - :
*
عبد الحميد :
ــ لا أذكر في أي عام بالضبط .. لكنه كان في السبعينيات ، وبعد الحرب ، ربما عام ( 75 ) .. كنت في شبابي أعيش في القاهرة مع زوجتي .. في شقة صغيرة بغرفة واحدة صغيرة وحمام ومطبخ صغيرين .. كح .. وبالطبع لا يمكن اعتبار الأمتار الاثنين صالة .. !
كنا فقراء لكننا مع ذلك عشنا راضين نحمد الله على كل شيء وكل حال .. لم تدخل اللحوم بيتنا إلا مرة في الشهر ولـ......

عماد :
ــ المهم يا عم ( عبده ) .. المهم ..

عبد الحميد :
ــ صبرا يا دكتور .. أنا أحب الكلام على " رواقة " ... المهم ، كنت أعمل في محطة قطار ، أقطع التذاكر لمن يريدون السفر .. لم تكن وظيفة مريحة ، ولم تكن مربحة .. لكننا كنا راضين نحمد الله على كل شيء وكل حال ( يتمنى ( عماد ) أن يضربه في أنفه المعقوف هذا ) ... كنت أعمل ورديتين لأجني المزيد من المال ، ناهيك عن أن هذا لم يحدث فرقا لكنني كنت راضيا أ... احم .. المهم ... كح كح .. في ليلة من ليالي هذا الشهر ؛ قررت أن أعود مبكرا للمنزل ، كنت مرهقا لا أقوى على شيء ، فاضطررت إلى الاستئذان ... وكان نظام المحطة بدائيا نوعا ما ، فكنت تمر ببعض المقصورات المتوقفة ليلا حتى تتمكن من الخروج ... لسبب ما قررت أن أفحص إحداها ، مشيت على قضبان قديمة صدئة .. كح .. ثم دخلتها ، نعم ، تلك المهيبة الكبيرة ، أو هكذ رأيتها ... و.. ونمت !! ... لم أعرف السبب ، لكنني أطفأت المصباح وغفوت ببساطة ، واستيقظت على صوت أجش ينادي أن : " الله أكبر ، الله أكبر " .. كان هذا الفجر ، الأهم هنا أنه عليهم أن يغيروا هذا المؤذن .. لكنني أرى أن له الفضل الأكبر في إيقاظي ... لا أعرف شيئا .. عرفت فقط أنه ليس مجرد دافع هو الذي أخذ بيدي إلى هذه المقصورة ، والأسوء أنه ليس مجرد نعاس هو الذي طغا على جفنيّ .. إنه شيء يستحق أن نسميه " شيئًا " .. شيء فوق فهمي وفهمك ... ظننت أول الأمر أن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قد قرر أن يؤرق .. كح .. حياتي .. لكنني لم أعرف أبدا أنني سأكون بطل هذه القصة ....

عماد :
ــ إذًا ماذا حدث ؟!

عبد الحميد :
ــ لا شيء .. نهضت مسرعا وعدت مرة أخرى للمنزل .. يمكنك أن تخمن أنني عدت لمقصورتي الملعونة ليلا ... لكن دعك مني ومن المقصورة .. لأنها ولأنني لم يكن لنا يد في الأمر ... ! .. أزمعت الذهاب إليها ، وإن كنت لا أدري لماذا ، لكنني ذهبت .. أقحمت نفسي داخلها ، وأمضيت هذه المرة نصف ساعة نائما و ... رأيتني ... أقسم لك أن هذا ما حدث ، وأنني حين فتحت عينيّ كنت أنظر إلى نفسي في مودة ، وكنت راقدا على الأرض بينما أقف هناك على باب المقصورة .. هتفت به : من أنت ؟!! .. فقال : ( عبد الحميد ) .. فأجفلت .. لم يكن هذا هو الـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الذي توقعته أنت .. لقد كان أنا .. حيا ملموسا مثلي مثلك .. ولشد ما كان يشبهني .. أهو توأمي ؟! .. مستحيل .. أمي لم تنجب إلا واحدا وهو أنا .. أو هو .. أتدري ؟! .. وصل بي الأمر .. كح .. إلى حد عدم التفريق ، إلى حد التيه ... كنت أشعر بما يشعر به .. وأسمع ما يفكر فيه .. لم أجد تفسيرا لهذا إلا أنه أنا .. نعم ، بالطبع خدشت نفسي بمدية كانت معي لأتأكد من أنني لم أكن أحلم .. لا أعرف هل أتكلم عنه بصيغة الـ ( هو ) أم الـ ( أنا ) ؟! .. الغائب أم المتكلم ؟! .. لا أعرف ، ولا أحد يعرف .. كانني وكنته .. هذا ما أعرفه .. وأعرف أيضا أنني كنت سعيدا أشد السعادة حين جلست أحدث شخصا أظنه أنا .. يرد عليّ بمثل أفكاري .. وصوتي .. كح ، وتعبيراتي وقسمات وجهي ... ومثلي .. كح كح كح ...

(4)
هذا الرجل لا يعرف ما يقول .. ( عماد ) يشك في صحة هذا .. لأنه جنون واضح ... إذًا :
ــ أين ذهب .. أعني ، أين ذهبت يا ( عم عبده ) .. ؟!!
ــ أمضينا شهرا نلتقي حتى اختفى ، كان بلا بطاقة ولا إثبات شخصية ، لذا لم أتابع صفحة الوفيات لأنني أعرف أنه لو مات أو قُتل لن يجدوه ، وإن وجدوه لن يهتموا ، ولن يعلنوا الأمر ... !


يُتبع .....

2 سبتمبر 2013

إياد عصام الزهيري .

لحن

ارجع بالكرسي إلى الوراء .. أسلم رأسك للفراغ ، وتأمل السقف ، هذه عادة من يلحنون ، أو من يحاولون فعل هذا ... دعنا نضع بعض التغييرات ، لمسات أخيرة على هذه العادات ..
 الألحان ليست بهذه البساطة ، سيكون الأمر عسيرًا إن كانت تجربتك الأولى ، إنها الموسيقى يا عزيزي ، وعليك أن تثق بها أكثر من ذلك .. كن واثقا أن المسوخ ينتابها لحن من أي نوع ، حتى وإن كان لحنا عدوانيا ، لذا لن يكون مستحيلا أن تجد لحنا بدائيا ما عند هذا الركن ، لا ، أبعد قليلا ، نعم هذا الذي على اليمين .. وعليك أن تكون ممتنا لأنك أصبحت تنظر إلى قلبك بشكل مباشر ، نعم .. وثِق تماما أن الألحان الدفينة تكون خلف القلب ، ومن داخله .. يمكنك أن تعتبر القلب لحنا كبيرا من الدقات ، مع إيقاع خافت يصنعه تدفق الدم .. واحد ، اثنان .. واحد ، اثنان .. رقصة تختلف  .. نغمات أخرى بمعانٍ أخرى .. معانٍ كالحياة ، لولا هذا اللحن الضعيف ، الذي لا يهتم به أغلبنا كثيرا ، لما كنّا أصلا ..
 سوف نحاول استخراج اللحن ، لن نستأصله .. فقط سنحاول اجتذابه ناحية العقل والأذن ..  أها ، ها أنت تفهمني .. صدقني عليك أن تجرب هذا مرة أخرى ... سيكون الأمر سهلا من الآن .. نزحف نحو العقل .. لا يهم ، اترك هذه النغمات تسبح في الشريان التاجي ، ستتبعنا وحدها لا تقلق .. دعها تغوص بين العروق ، تتسابق بين كرات الدم البيضاء والحمراء ... والقلب يخفق في استمتاع .. لا تفلتها كلها .. هكذا سنفقد اللحن قبل وصولنا إلى محطتنا الأخيرة ... واحد ، اثنان .. العقل ينبض ، وعضلات الجسد ترتخي ، تتمايل في سلام ... ها هو النخاع العصبي ، انظر كيف يردد اللحن في هدوء  .. ! .. الجسد كله يحيا ، وتتراقص الخلايا في نشاط .. واللحن يخرج للوجود .. هنا ، من الأذن ، ينصبّ على سطور الكراس  .. ترتج الأوتار قبل أن تمسها يداك ... ترتج .. والقلب ينبض .. واحد .... اثنان ..... 


30 أغسطس 2013

إياد عصام الزهيري .