شيء ما




(1)
ــ ألووه .. ( رأفت يوسف ) معك .. أها ، نعم أعرف ... سيدي ، ليس هذا اختياراً ، إنه واجبي .. وأنا أعتبر واجبي فرضا .. لا .. لا .. نعم أعني هذا ... إذاً ماذا ؟ .. هل تدرك المشكلة حقاً ؟! .. لا .. لكن ربما إذا طلبنا هذا من ( عادل ) .. ( عادل فرج ) .. ربما يقبل ... حسنٌ إذاً .. اتفقنا ... إلى اللقاء .... إلى اللقاء ..

(2)
ــ قلت لك لا ... لن أفعل هذا .. عليك اللعنة لست أنا آخر خلق الله .... لن أفعل .. وأرجو ألا تتصل مجددا ... أ .. ألو ... ! ..

(3)
ــ تسألني ما بي ؟ .. لن تفهمني ما لم تكن أنا .. لا .. كل ما في الأمر أنني أموت .. مرحى ، ياللسعادة ! .. إنهم يطاردونني ، في كل مكان يا ( خالد ) و .......

(4)
ــ يا دكتور أشعر أنها حالة ( بارانويا ) متقدمة .. لا ، كل ما قاله : ( إنهم يطاردونني يا ( خالد ) ) ثم ( ليس هناك وقت ) و ( سأكون ميتا حينها ) ... !

(5)
ــ أنا الدكتور ( أحمد رجب ) .. نعم .. علمت يا أستاذ ( عادل ) أنك تعاني من شيء ما ... سيكون محببا لي أن تزورني في عيادتي إن استطعت ... نعم .. تريد العنوان ؟

(6)
ــ لا .. لا .. كانت مقابلة محيرة يا ( خالد ) .. لا .. صديقك مريض ( بارانويا ) عتيد يا عزيزي .. ما يحيرني هو خروجه للقاء الناس بدون مشاكل ... كلماته كلمات مريض ( بارانويا ) ، كذلك تفكيره : كله ليس طبيعيا ... ربما مصاب بالفصام أيضا .. ربما أيضا مرهق نفسيا ... هذا جل ما يمكن قوله عن ( عادل ) صديقك .. لا أعتقد أنني سأصرح بشيء مؤكد حاليا ...

(7)
ــ إنه طبيب فاشل .. أنا لست مصابًا بـ ( بارانويا ) الاضطهاد ، لكنني حتمًا مصاب بنوع آخر منها .. شيء ما يحدث .. وحتما لن أعرفه ، على الأقل قبل حدوثه .. ربما لن أعرفه أصلا .. دعك من هذا .. إلى اللقاء .. لا .. ونعم بالله .. شكرا .. إلى اللقاء ....

(8)
ــ لا يا ( رحاب ) .. أقول لك أرسلت خطابًا غراميًًّا لفتاة حَوْلاء ، وتقولين لي أن أهدأ ؟! ..دسست الخطاب تحت عقب الباب ، وذكرت فيه أنها صاحبة أجمل ابتسامة في العالم – عليَّ اللعنة ، لا أفهم كيف قلت هذا ! ــ وأراهن على أنني اكتشفت مدى " جمال " هذه الابتسامة بعد علقة ساخنة .. نعم للأسف .. لا أعرف إن كنت أنا الذي فعل كل هذا .. لا أعرف شيئًا .. ! .. أنا لا أدرك أنني أفعل أشياء كهذه حتى وأنا أفعلها .. لكنني أنام – لابد من النوم هنا – وأستيقظ لأجد الجيران كلهم عند الباب يطالبون بتفسير موقفي وإلا سأكون في مشكلة إن لم أقنعهم ، ثم يعود إليّ سيناريو ما حدث كاملا .. وفي النهاية أرسم تعبيرا غبيا على وجهي ، متظاهرا بعدم معرفة ما يحدث في هذا المكان .. ثم أفتعل الاعتراض على دخولهم شقتي بمثل هذه الطريقة ، حينها لا أنكر أنهم لا يتركونني إلا بعد تقريع قفاي ..
 أمس أتاني والد الشمطاء ، صاحبة أجمل ابتسامة في العالم ، وبسهولة يمكنك تخمين ما حدث .. اليوم أتاني صاحب العمارة شخصيا ينعق في وجهي : " الإيجااااار " ... وغدًا تأتيني الشرطة بتهمة قتل أحد عابري السبيل ... لربما قتلت شخصا وأنا لا أدري ، وأنا في غيبوبتي الغريبة هذه .. لربما لست أنا ...

(9)
ــ أريد غرفة لشخص واحد .. سأكون موجودًا غدًا ... وحدي طبعًا ، لماذا برأيك أطلب غرفة لشخص واحد إن لم أكن وحدي .. ؟! .. أريدها باسم ( عادل فرج ) ...

(10) انتهت المكالمات ، حان للسرد أن يبدأ ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساقه الشارع الممتد ، الحي على ضوء عمود النور العجوز ، إلى الفندق المعهود . دهس حشرة بحذائه قبل أن يطأ أولى الدرجات .. صعدها اثنتان اثنتان ، وقبل أن يدخل حاول أن ينزع أحشاء المرحومة من أسفل الحذاء ..
هناك ، حيث مكتب الاستقبال ، ينظر الموظف بعينين غائمتين ، ويحاول أن يغلق جفنيه استمتاعًا بنشوة النوم أثناء العمل التي يطرب لها أي مصري أصيل .. لم يكن وجود ( عادل ) محببا في هذا الوقت ، على الأقل بالنسبة للموظف الناعس ..
ــ المفتاح ...
ــ همممم ..
ــ المفتاح ، باسم ( عادل فرج ) ..
ــ ممممممم ..
مازال نائما ....
ــ أين المدير ؟!!
ــ لا يا سيدي أنا مستيقظ ، أنا مستيقظ ، ماذا كنت تريد ؟!!
ــ المفتاح ..
ــ همم حسنٌ ..
هذه المرة بصوت أعلى قليلا  :
ــ أين المدير ؟!!!
كان يستمتع بهذا ، أن يلعب شيطان المزاح في رأسك فتؤرق نوم هذا الموظف الذي يعمل ورديتين .. ممتع بالنسبة لـ ( عادل ) ..
ــ لا .. لا .. ها هو .. ها هو ...
*
من مذكرات ( عادل فرج ) - إذًا هو يكتب المذكرات - :
" أسوء حالات الفصام أو ازدواج الشخصية ، أن يعرف المريض أنه مصاب بها ... وأنا مريض بهما معًا وأدرك هذا جيدا .. "
*
في غرفته ...
تك .. تك ... تك
منبه يلعب على الخط الفاصل بين الصحو والنوم ، فيقحم ( عادل ) في حلم ملفق عن الدودة التي صارت تلعب الجولف ، والـ ... الماذا ؟! ... كان ( عادل ) يعرف أنه حلم ، ولذا بدت نظرة فرويدية في عينيه حين استيقظ ، إنها أحلام المنبه : " يعرف النائم أنه يحلم " ..
 وضع النظارة على عينيه ليشعر أخيرا أنه يرى .. ومطّ جسده في استمتاع .. الراحة ، هذه هي أسرّة الفنادق يا صاحبي وليست كالتوابيت التي ينام عليها أي إنسان عادي ..
كان الصباح في أوله .. تشقشق السماء عن شيء يسمونه النور .. وتتبادل العصافير السباب كما يقول الإنجليز .. يتبدل لون السحاب فيبدو كقطع قطن كبيرة في بحر عريض من الزُرقة ..
 هيهات .. ! .. إنه الصباح ...
*
من مذكرات ( عادل فرج ) – إذًا ما زال يكتب المذكرات - :
" حين أبحث عن الحقيقة أكونُها .. أكون الحقيقة ؛ مع مزيج من الزيف والأكاذيب .. واللاشيء ... "
*
أمس ؛ دسَّ في يد الموظف نصف جنيه معتذرًا عن ظاهرة ( اللا فكة ) أو ( اللا مال ) أساسًا .. عليه أن يعترف لقد أحسَّ ببعض تأنيب الضمير ..
سيناريو الليلة الماضية لم يكن جيدًا .. والبطل كان أحمقًا مكتئبًا .. لذا يتوجب أن تحدث بعض التعديلات هنا ....
إنها العاشرة صباحًا ... يستيقظ .. ينظر إلى المنبه .. ويغفو دقيقتين ...
*
مؤذن ينادي أن " الله أكبر " .. إنها الثانية عشر إذًا ...
شرود لعين يسحق أقل فرصة للتفكير .. يعلن السيطرة التامة على أركان العقل ... إنه ليس التأمل ، وليس بالتأكيد شرود الفلاسفة .. إنه فقط شيء غريـــــــــــــ.....
*
يـــــــــــــــب ...
الواحدة إلا عشر دقائق ...
الغريب حقًا أن كل هذا يحدث في أسبوع واحد فقط .. كأنك مستهدف يا ( عادل ) و... أها .. هناك شيئين غريبين حقًّا ...
ـ أولا : شخص ما يطرق الباب وأغلب الظن أنه موظف الاستقبال بملله العتيد .. !
ـ ثانيا ( وهذا الأهم ) : ( عادل ) لا يستطيع حراكًا .. !
ـ ثالثًا (إذًا هناك شيء ثالث ) : بشكل ما هناك ( عادل ) آخر يفتح الباب الآن .. يأخذ شيئًا من الموظف .. يغلق الباب .. يلتفت ناحية ( عادل ) الأول الراقد على السرير ... ويضحك .. ضحكة أخيرة لكليهما .. بعدها يكون أحدهما في المستشفى يحتضر .... !

                                             
 3 سبتمبر 2013

إياد عصام الزهيري .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق