‏إظهار الرسائل ذات التسميات عبدالله فرحات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عبدالله فرحات. إظهار كافة الرسائل

الطعنة




(1)


شرفات المنازل ممتلئة بأصحابها 
انوار المصابيح ترسم بأعمدتها خط متعرجاً 

منطفئة ... مضاءة ... منطفئة ... مضاءة ... وهكذا 
القمر قد بدا نوره فى الأرجاء ينثر خيوطاً من الضوء الملوّن ،  أسير واضعاً يدى فى جيبى  الصغير الذى لم ولن يحتوى على 10 جنيهات كاملة  ، فقط هاتفى الخلوىّ ويدى الأخرى ممسكة بذلك السيجار ، الذى يبعث بى إلى عالم ، تلو عالم ، بين الحين والآخر مستمتعاً بأصوات الموسيقى المتنوعة الصادرة من سماعات الأذن الصغيرة خاصتى ، قطع تفكيرى المَبعوث إلى عالم  
... الصَخَبْ رنة الهاتف الخافتة 
إنه صديقى 
آلو  ، اذيك يابنى ، محدش بيسمع صوتك  -
غير كل فين وفين ، ودايماً إتصالك وراه حاجة ..
!خير ياوش السعد ؟ 

انا الحمد لله ، لا أبداً والله انا مش ندل كده يعنى -
انا قلت اسلِّم اصلك واحشنى


لاياراجل .. قول اللى عايزه ع طول ، أنا حافظك -

معلش بقى ، بتقّل عليك ، وانت عارف بقى المشاغل -
معلش كنت عاوز منك خدمة بسيطة


أؤمرنى عنىّ ليك -


 .. أبداً انا كنت عايز -
ها عايز ايه -
آلو .. هيثم .. رد يابنى روحت فين ؟


لم يعقب بعد ولم اسمع اى صوت قد صدر ليقوم بتفسير ماحدث له ،
اغلقت الهاتف ، حاولت الاتصال باحد الاصدقاء الآخرين كى يقوم بمساعدتى

 آلو .. إيه ياحسين ، مابتردش ع طول ليه ، خضتنى
-معلش اصلى كنت نايم ، ولسه صاحى
 طيب -
هيثم كلمنى وانت عارف كالعادة ، بيبقى عايز حاجة
وفجأة التليفون قطع وماسمعتش حاجة بعدها -انا قلقان اوى ......

... طيب اسبقنى انت ع القهوة وانا

آلو .. انت معايا ، انا هسبقك وانت انجز بسرعة حسين -
انت معايا ، رد يابنى  .. حسين


حدث ماحدث لدى هيثم ، كما توقعت وبدون اى تفسيرات واضحة

 (2)


الآن أنا فى المقهى لا يوجد أمامى سوى الذهاب لأحدهم .. هيثم ، او حسين ..

فى تلك اللحظات ذات التفكير المقلق
وصل الى المقهى ، إيهاب ، كيف لم يخطر على بالى ان اتصل به ؟
هممت إليه لاخبره بما حدث ،
حيث انه ذو معلومات واسعة ، وأكثرنا خيالاً
ويَسهُل عليه تخيل الأحداث رغم غموضها ،
يملك نوعاً من العقل نادراً ، أخبرته بكل ماحدث وكعادته مُحب للمغامرات والتشويق 
سكت مدة لا تتجاوز العشر دقائق معاوداً التفكير باحثاً  فى عقله ذو الارشيف المعلوماتى المتين ثم قطع الهدوء فى  
: المكان ، فقد جلسنا فى ركن فى المقهى ، لا يدخله سوانا قال 


بُص احنا مش هينفع نتحرك إلا اما الساعة تعدى 12 -
حاولت الاستفسار ، لكنى امتنعت حيث انه كالعادة ، لا يُفصح عن معلومات قبل اوانها

طيب تمام يعنى قدامنا ساعتين ، مافيش مشاكل ، عشان نعرف نشتغل على نظافة -


صوت لهاتف خلوىّ ، اتضح انه هاتف إيهاب حيث اننا لم نغير النغمة التى وضعناها سوياً من قبل
تلك النغمة التى كنا قد وضعناها جميعاً فى عيد ميلادى الأخير

بدأ إيهاب فى الصراخ :

!انت مين وعايز ايه ؟ -
ثم اغلق الهاتف ، لابُد وان المتصل ، لم يُكمل 


فى ايه يا ايهاب .. خير - 

واحد بيقول إن الساعة 12 مش الوقت المناسب للى ناويين نعمله -

وبعدين -
بس ، قفل السكة فى وشى -



لم نستطع تحديد هوية المتصل من خلال توقعات إيهاب او من صوت المتصل  ، او حتى رقم الهاتف ،
او من الرجوع إلى شبكة علاقاتنا الشبه محدودة . ..

طلب منى إيهاب ان نسرع للذهاب إلى منزل حسين أولاً لا منزل هيثم
وتلك كانت من اسراره الخفية أيضاً 
دقائق معدودة وسنصل إلى منزل حسين 


(3)

أنوار العمارة بالكامل مضاءة ، أصوات النساء تعلو بالولولة  والصراخ الكلاب ازدادت فى النباح بدأ كل منا فى التساؤل ونظر كل منا للآخر لا بد وان حسين قدأصابه مكروهاً ، وهو سبب انقطاع المكالمة ركضنا معاً على السلالم
حتى وصلنا إلى شقة حسين ،مغلقة
لا تبدو عليها أجواء الاضطراب
التى تحوم حولها العمارة باكملها ،
إنها الشقة المجاورة لشقة حسين ، لجاره الذى كانت علاقتنا به محدودةإبراهيم 
 لقد أُصيب بحالة من الهيستريا والذهول ووالدته من البكاء ، يكاد قلبها أن يقف ، سيدة عجوز ، عشش بها آثار امراض الضغط والقلب . والد  إبراهيم قد تُوفِىَ منذ اعوام لكن لحظة مادخل هذا بـ حسين لم يظهر حتى رغم أن الحادث بجواره ، مما زاد من قلقى قمنا بمحاولة معرفة من بالشقة ، لم يرد علينا أحد ، فقد كان يعيش وحيداً بها ، بعدما تُوفى والديه وتشاجر مع اخوته ولم يملك سوى تلك الفخمة الوحيدة فى العمارة ،


قمنا بإقتحام تلك الشقة بهدوء ، دون أن يشعر المجاورون لنا بالارتباك او القلق او الفزع منّا دخلنا وأغلقنا باب الشقة خلفنا ، كى يسهل علينا تفحصها كنا نشاء انرت المصابيح 
إطار ضخم يظهر فيه حسين مع بقية أفراد العائلة ، المدفأة أسفله ، ومن فوقها كتباً متراصة خزانة الملابس بجانبها ،
فقد كان يُحب أن يكون مُلماً بكل ما يحتاجه فى مكان واحد
. ليسهل عليه الخروج بسرعة إن لزم الأمر 
الشقة كما هى ، لا يبدور عليها أياً من ملامح الاضطراب لتدل على وجود اقتحام أو ماشابه ، مما أدى لاختفاء حسين ،  تنقلنا من غرفة لغرفة لا وجود لاى خيط نمسك به ونسير وراءه

.. واتت اللحظة المطلوبة 
بمجرد الضغط على مفتاح الانارة للحمام وجدنا بضع اشياء على الارض منثورة ومتفرقة  

ورقة من المُصحف على الأرض ، بضع قطرات من الحليب مسكوبة ترسم حلقة دائرية )
وبعض آثار الرماد ،  الناتج عن احتراق  شئ ما 
(  .وبقعة دم كبيرة إلى حد ما 


كان ايهاب على علم واسع بعالم السحر والشعوذة كونه مثقفاً من الطراز الرفيع لذا فما يوجد امامنا الآن يدل على بداية رحلة إلى علم السحر  تلك الاشياء هى نوع من القرابين التى يقدمها من يتمنى الدخول الى ذلك العالم اللعين لاصدقائه من الجن والشياطين


هل يعقل ان يكون حسين على مشارف الدخول لهذا العالم اللامنتهى المهلك ، ام ان الجنون قد اصابه ام ان "
 التفكيرالعميق ودوافع الفضول اخذت بساعده للتجربة 
لكنه كان على ثقافة تقل درجة او لا تقل عن ثقافة ايهاب بل وكان اكثرنا التزاما ومعرفة دينية ، بحكم النشأة التى نشأها
" منذ كان صغيراً  عشرون عاما مرت على تلك النشأة لا بد وانه قد تشرّب بتلك التربية  


لايعقل اياً كان الدافع ان يفعل هذا 
كانت تلك تساؤلاتى  التى تدور فى عقلى فى تلك اللحظات وانا شارد الذهن عما حولى
 حتى عدت الى ما نحن فيه وماهو امامنا
 بهزة من ايهاب
: قائلا


ايه رحت فين؟  -

ايه مرتبك كده ليه ؟ -

لا ابدا .. يلاّ بينا من هنا بس -


خرجنا من الحمام بعد فحصه وتجميع المعلومات جيداً وعدنا الى الصالة مرة اخرى احسست بان ملامح الشقة قد تغيرت الاطار لم يعد فوق المدفأة بل اصبح اعلى الكرسى الخشبى ،
ذلك الكرسى الاثرى الذى قد اشتراه والد حسين ،
الكتب مرصوصة فى ارفف منفصلة  ، من الدهشة لم استطع الحديث او حتى ان اسأل ايهاب فقط طلب منى ايهاب الخروج والعودة الى منازلنا وفى الصباح الباكر نتقابل سويا للذهاب إلى منزل هيثم وتفسير لغز اختفاءه هو الآخر



ذهبت الى منزلى وقد ازداد ارهاقى وتعبى ، دخلت للاستحمام ، ظهرت لى صوَّر مصغرة لما رأيته فى حمام
.. شقة حسين بدأت فى الدوار حتى سقطت مغشياً علىّ قُمت مفزوعا فجأة فقد نقلنى أحد أفراد منزلنا إلى سريرى ،
وتلك الصرخة من ذلك الحُلم او الكابوس الذى كاد ان يقضى علىّ حاولت طرد كل تلك الهواجس والاستعداد
لمقابلة ايهاب ، الساعة الآن السابعة صباحاً 

هاتفى يرن إنه ايهاب 


(4)

 اتقفنا على اللقاء عند منزل هيثم ، ذهبت فى الموعد المحدد بالتمام ،
لم اجد ايهاب ازددت ارتباكا وقلقا ، انتظرته ما  يتجاوز النصف ساعة 
ازددت اضطرابا وهممت الدخول الى حديقة المنزل وحدى


 " هيثم كان يسكن فى ذلك المنزل او بالادق "الفيلا
مع جدته او هى من اتت للعيش معه لا اتذكر
 لا حراس ... لا كلاب .. لا عُمَّال ، او خدم او جناينى 
فقط المبنى الفخم والحديقة المُبهجة وقاطنى المنزل


 بالفعل قمت بالدخول ، ديكور وهيئة المنزل الداخلية
تشبه الى حد ما تفاصيل شقة حسين ،  لا يهم ،


ماهذا ، جدة هيثم محترقة النصف السفلى رجليها حتى خصرها قد تم تحوله الى رماد
ومن اعلى الخصر حتى الوجه مشوه جدا

حددت بعض ملامحها التى اعلمتنى انها هى لكن ماتفسير ماحدث؟

لابد وان ماحدث هو حادث احتراق ذاتى ، فحسب معلوماتى ان تلك الظاهرة تحدث للسيدات المسنين اللاتى يكثر ان يتواجدن وحيدات فى منازلهن حيث ان هيثم كان دائما ما يتركها وحيدة لا بد وانها قد اصيبت ،


لحظات وبدأت بعض الاصوات تلوح فى المنزل شعاع ابيض مضمحل يسير تجاهى لا تبدو عليه الملامح بوضوح
لكنه يشبه تلك السيدة التى لقيت حتفها منذ قليل 

لا ، لا املك ذلك القلب الذى يستطيع تحمل كل ما اراه ، مرة اخرى فقدت وعيى من الصدمة "
  حمدا لله ان قلبى لم يقف


افقت بعد فترة لم اعرفها  لكننى بدأت فى استعادة قواى الجسدية والعقلية
وتذكر كل ماحدث بدأت فى تفقد بقية الشقة


إنه هيثم 
فى المطبخ راقداً على الأرض لا تبدو عليه اى من الاصابات الخارجية او ماشابه هل هو فاقد الوعى ام انه قد مات حاولت متابعة النبض لا استطيع القول انه قد مات او انه فاقد الوعى

اخرجت هاتفى الخلوىّ خارجا من المطبخ اسير فى الممر لاتصل
بــايهاب ليساعدنى فى حل تلك المعضلة ، لا يرد على هاتفى 


بينما انا سائر اذ رأيت شيئاً ما يلمع فى الغرفة التى امامى ، استرعى انتباهى دخلت الغرفة فاذا به حسين فعلت كما
فعلت مع هيثم ، لا فائدة لا استطيع التحقق وها قد وصل إيهاب تفقد المكان

هنا... هناك ...هنا.... هنا



 قام بتحليل الموقف حسب معلوماته المتنوعة والكثيرة وفجأة اذا بشئ على رأسى افقدنى الوعى للمرة الثالثة ،
. لابد وان احدهم قام بالهجوم علىّ من الخلف 

(5)

 المكان مظلم بشدة ، بالكاد استطيع ان ارى ،
عيناى فى حالة من الارهاق بعد حالة فقدان الوعى الثالثة حاولت النهوض والتفقد ،
.. ربما احصل على شئ او اجد اى شئ

لم اصل لشئ فقط حاولت الهروب لمكان اكثر امانا للتفكير 
... خرجت الى الشارع الرئيسى ، الاشجار متراصة بانتظام الهواء يجذب الروح

لا بشر...  لا سيارات ... لاشئ   

: جلست على رصيف الشارع سانداً ظهرى على الشجرة ، محاولا التفكير

الاشياء الغريبة فى منزل حسين
رؤيتها مجددا فى منزلنا 
جدة هيثم المحترقة 
فقدانى الوعى للمرة الثالثة على التوالى 
والاهم اختفاء وانقطاع مكالماتى مع حسين ، هيثم 
الصدمة الخلفية على رأسى 

... ولكن اين ايهاب ، اين ذهب 

ما هذا إنه هاتف إيهاب مالذى اتى به الى هنا الهاتف يرن ، ترددت فى الرد على المكالمة
 : لكن قمت بفتح الخط وسماع ما يقال 

" ايه يابنى خِلْصتْ من البنى آدم ده ولا لسه "

ماهذا إنه هيثم ، انا اعرف صوته جيداً لكن من ذلك " البنى آدم " المذكور هنا 
لا بد وانه انا 

هيثم حى ، إيهاب اختفى فجأة "
 حسين لا اعرف مكانه  لا بد وانها لعبة المعلومات والافعال التى كان يمليها علىّ إيهاب
 لا بد وانه من ترتيبه لعل شئ ما غفلت عن المكالمة مفكرا فى كل ذلك ولم اسمع ما قيل فى تلك الفترة استعدت

: انتباهى مرة اخرى بسرعة : وسمعته يختتم الحديث قائلا


 خلّص بسرعة وكلمنى "
الفلوس هتوصل بكرة ولازم نستلمها ونخلص ،
 مع السلامة حاول تكلمنى ، وابقى خلى بالك من تليفونك





هذا آخر ما سمعت ،  لحظة لقد قال ان بعض الاموال ستصل غداً
.. طرف الخيط قد أُدلىّ إلىّ لامسكه الآن

حاولت فرض الفروض الاكثر صحة فى بالى والد هيثم كانت له مبالغ طائلة فى الخارج كنت اعرف ذلك
فقد تم إخبارى من قَبَلهْ وطلب منى الاحتفاظ بذلك السر
فقد كنت ابنه بالتبنى بعد وفاة والدى عاملنى كأبنه تماما وكان يحبنى كثيراً 
وكان هيثم يغار الى حد ما منى 



إذا لا بد وانه علم بذلك الامر واراد الحصول على المال وحده لكن
ما سر الذى رأيت من اشباح وما شابه لا بد وانه إيهاب



 لا توجد أدله كافية حتى الآن
على طرد تلك التخيلات حتى اعمل على الواقع الذى امامى  


الهاتف يرّن مرة اخرى ،
إنه حسين فتحت الخط مرة اخرى 

إيه يابنى ،هنعمل إيه فى البلوة دى "
الله يلعن الفلوس يا اخى ، اللى حصل للواد إبراهيم جارنا ،
الواد اتصرع من اللى شافه وكده هنتكشف
 " وجدة هيثم ، الله يخربيت دماغك يا اخى 


أغلقت الهاتف بسرعة

 شهيق ... زفير ...  شهيق ...  زفير...  شهيق ... زفير
بسرعة فائقة 

.. ضربات قلبى بدأت فى الاسراع

: واكتملت الدائرة المعتمدة على توقعاتى وافتراضاتى 


هيثم يريد الحصول على مال ابيه من دونى ، لان نصيبى كبير جداً كما كنت اعرف "..
وقام بالطبع بالاتفاق مع إيهاب  و حسين للقضاء علىّ وإيقاعى فى فخ ما 

إيهاب متمكن ولديه ثقافة واسعة فى عالم السحر والشعوذة ،
لا بد وانه نفذ كل تلك الخدع ماعدا احتراق جدة هيثم ،
لابُد وان الحظ لعب دوره ، ام انه النحس 
هذه الظاهرة تلقائية تحدث بدون تدخل 

إيهاب أتى بى إلى ذلك المكان للخلاص منى ،
لكن لماذا تركنى هنا وذهب لماذا لم يقضى علىّ مرة واحدة بعدما اختطفنى
... ماسر هاتفه 




حاولت الذهاب إلى منزله والمكوث لمراقبته مر اليوم كاملاً ومن وراءه نصف اليوم الآخر ،
لم يظهر بعد 

حتى حسين وهيثم لم يتوقفا عن الرنين على هاتفه
 لا بد وانهم لم يعثروا عليه ايضاً فى تلك الاثناء لابد وان الاموال قد وصلت وحان وقت استلامها
 لا بد وانه قد انقلب السحر على الساحر 
لقد اختفى ايهاب هل قُتل من قِبَل الشيطان هيثم ،
ليكون التقسيم اقل ما يكون ..
وإن كان الامر كذلك فلماذا يتصل عليه 
هل لانه اكتشف أنى بدأت فى معرفة الأمر ،
فأراد تكملة الدائرة الشائكة والتستر على قتله لــإيهاب ؟
، فهو العوبان شيطانى التفكير


 لا اعلم 

لا اعلم 

. لا اعلم 
 يتبع  ... 

  عبدالله فرحات  .. 10 يوليو 2013

دماء الحب الطفولية !





الأشجار تملأ المكان ، الطريق ممهد ولا وجود للسيارات .. 
فقط بعض من التلاميذ المترجلّين إلى مدارسهم جاملين حقائبهم الصغيرة . 
ذلك الفتى مع صديقُهْ يتسابقان إلى بابا المدرسة .

وذلك الصغير مع تلك الصغيرة ، وقد بدا تمسكهما ببعضهما فقد يكونا جيران أو اصدقاء ،
فى طريقهما لرسم لوحة الحب المستقبلى ذو البداية الطفولية - كما سمعت -
ويتحدثان معاً عن حبهما رغم صِغر سنهما .

وبينما الولد الصغير يضحك ، وينظر لتلك الجميلة الصغيرة ، فإذا بسيارة تخرج من ذلك المنحنى ، دون ان ينتبه الطفل او السائق
قاما بالاصطدام .
رأيت امامى هذا الطفل وحبيبته على الأرض تسيل دماؤهم وقد ظل كلاً منهم ممسكاً بيد الآخر ، وطارت ورقة من اليد الاخرى للطفل ، امسكت بها مسرعاً

قرأت ما بها كالآتى :

" انا بحبك يا ياسمين ، هنفضل سوّا حتى لو سافرت عشان ادرس لما اكبر واحقق حلم بابا ، انا بحبك " مؤمن ...



- تمت -

عبدالله فرحات .. 30 يونيو 2013 

مجتمع القيود ، وقيود المجتمع !



ولا تقل أن المجتمع هو من فرض القيود ، فعلينا احترامها ! 
فالمجتمع كالقدر ، كما ذكرت آنفاً ، انك من سمحت له بالتحكم فيك ، فلم يقم المجتمع بفرض تلك العادات والتقاليد من تلقاء نفسه ، وإنما نحن من قمنا برسم تلك العادات 
_ حسَنها بقبيحها _ ، وسلمنا أنفسنا لها 
كى تفرض الهيمنة علينا وتتحكم بنا كما تشاء .. 

ثم نأتى فى نهاية الأمر قائلين : 
" إنها العادات ، إنه المجتمع . " 

ماهو المجتمع اصلاً ؟! .. كيف ترسم تلك الكلمة فى عقلك عند نطقها ؟!
أهو النطاق الضيق الذى يحيط بك _ تلك القرية او تلك المدينة _ ؟!
أم النطاق الأوسع _ تلك الدولة _ ؟!
ام انه قول الحكماء ، ام انه اقوال التخبة المسيطرة فى ذلك الزمن ؟!
لا هذا ولا ذلك هو من أمرك بأن تتبعه ، بل انت من قلت :

" إنى سلّمت نفسى إليك فلجّمنى بعاداتك التى صنعتها انا من اجلك !! "
.. أى غباءٍ هذا ؟!

ليس معنى كلامى هو الخروج على ( كل ) تلك العادات أو القواعد ..
وإنما التمر على ( بعض ) منها ..
فالبعض منها نشأ فى ظل تواجد بعضاً من الغيوم السوداء المشَّربة
ببعض الجهل وقلة المعرفة ، نشأ فى الماضى ، وقد لا يواكب الحاضر والمستقبل
لكننا آمنا به ، ماهذا الركود الفكرى ..

الثبات على فكرة مجتمعية قد يحاربها المنطق ، ما هو إلا عفن
قد تكتَّل فى الماضى وسمحنا له بالاسترخاء وانتشار بقية العفن .

ومن الأمثلة الصريحة التى قد تكون المُؤَيد لكلامى هذا ، ذلك المثل الشعبى :
" انا وأخويا على ابن عمى ، وانا وابن عمى على الغريب "

أى مبدأ هذا ؟!
وكأن الاولوية للأقرب من ناحية درجات النسب !
أو ان أقربهم إلينا أحق بالمساعدة ثم الأبعد !!
ذلك ترتيب عدائى ، بعيداً عن انه قد يقترب من منطقية التفكير والحقوق المفروضة !!

التسليم لكثير من الأمور قد يؤدى للهلاك !

فلا تقل : أفكار المجتمع وتقاليده التى علىّ الالتزام بها والتسليم لها دون نقاش .

وإنما قُل :تلك أفكار المجتمع وتقاليده التى وضعتها بنفسى ، وعلىّ احترامها .
لكن يجب أن ازيد من مرونتها لمواكبة التطورات العصرية لتلك الحياة .

عبدالله فرحات ... 30 يونيو 2013 

كلمة عن الكلمة !


من المشكلات الكبرى التى دائماً ما تواجهنا بنى البشر .. 
" الكلمة " ، تلك النعمة التى حبانا الله بها ومنّ علينا بها ، 
لكنها نِقمة خفية لم يُدركها الكثير ... 
تلك الكلمة التى تصنع الآن مقالى هذا .. 
والتى تبعث إليك رسالة تُخاطب عقلك _ الساكن أحيانا _ 

لم نُدرك حتى الآن _ رغم كثرة الحديث فى ذلك الموضوع _ 
مدى صعوبة وسهولة الكلمة فى نفس الوقت 
صعوبة اختيار تلك الملائمة للموقف ، والمُخرِجَة من الأزمات ..
وسهولة تلك المشاغبة ، ومُدِثَة الفتن .

حتى الآن لم نُدرك هذا ، حتى الآن لم نشعر بالمشكلة من جذورها ، والتصديق بها.
الكلمة تلك تستعين بكثير من المساعدين ، من إيماءات ورموز
قد يستخف بها البعض وقد لا يقدرونها احياناً .

تلك الكلمة التى تصنع النقاش ومنه إلى الصدام او ماشابه ،
أحياناً بسبب ضعف بلاغة الكلمة ، فهناك مقولة احبها كثيراً :

" معظم الخلاف يقع بين ما اقصده انا ..
وما تفهمه أنت . " - مجهول -

وكل هذا سبب الكلمة ، وتلك الكلمة من اوقفتنى عن الإطالة فى هذا المقال ،
لايصال تمام الفكرة ، وإيصال الرسالة كاملة ، لأننى لم املك الكلمة ،
او الكلمة القوية ذات البلاغة المباشرة .

عبدالله فرحات .. 30 يونيو 2013 

بالمشقلب !



لو أن الحلال حرام والحرام حلال ، لاستحللنا الحرام وحرّمنا الحلال ، وهكذا .. ! 
ماذا لو عشنا تلك الحياة بـ " المشقلب " ؟! 
تخيل ان ذلك الحلال اصبح حراماً 
او ان هذا الحرام اصبح حلال 
وأن المخيف ومُسَلٍ ومطمْأَن اصبح العكس 
وأن الخطِر آمن 
والآمن خطِر 
وأن كل ماكان بالأعلى أصبح بالاسفل 
وأن كل مانعيشه تحوَّل إلى نقيضه تماماً 
وكان النقيض هو مانعيش .. كيف ستكون الحياة ؟! 

تخيل ان كل ما هو مُستبعد _ لأنه نقيض لما نعيش ولايصلح _ أصبح الأساس ..

لو أن الكذب أصبح الأساس .. والصدق هو النقيض المنبوذ .
لو أن الحرام أصبح الأساس .. والحلال هو النقيض المنبوذ .

تلك الصور ترسم بصعوبة ، لم ولن نستطيع إكمال رسمتها أو رؤيتها حتى ..
هل لو كان العالم كذلك كنا قد استطعنا التعايش معه
أم لن نستطيع ، ام اننا لم ندرك غرابة الأمر بعد فيصعب القرار ؟!

عبدالله فرحات ... 27 يونيو 2013