شبح الخلوة والاصدقاء الثلاثة !




(1)

كعادتى بمشيتى التى تطوى الارض طياً ، ذات الخطوات القصيرة وردة الذراع السريعة والصدر الفسيح القائم ناظراً للاعلى
منسجماً فى افكارى الفلسفية التى تساورنى دائماً – عن الوجود –  فإذا بى مصطدماً بشئ ما ، استدعت انتباهى
سريعاً ونظرت امامى فى سرعة مهولة لم أجد اى شئ امامى

ازددت اضطرابا ، لكن حلاوة التفكير ولذته انستنى الموقف .. واصلت المشى فى الطريق الواسع الذى تزين جوانبه الأشجار متراصة بجوار بعضها ، فلا توجد منازل فى هذا المكان الاشبه بالصحراء فى سكونها وفراغها إلا الاشجار التى
 .. تنفى صحراويته

 ... لا وجود للاصوات فهذا المكان هو خلوة كل مفكر يأتى اليه فى اوقات لا يوجد فيها غيره ، وهكذا انا اعتدت

سرت فى الطريق والجو يزداد حرارة والشمس بدأت فى الغياب ، وبدأت اصوات اخرى تقترب منى

" حححححححححح " اشبه بفحيح الافاعى واخرى " عاعاعاعاععاااااااااا عو عو عو عو عو ووووووووو "


 ، وازداد تشابك الأصوات وبدأت اشعر بالدوار وفجأة ظهر شعاع ابيض ، كاد بريقه ان يصيبنى بالعمى 
ازددت فزعاً وبدأت فى الصراخ ، وركضت مسرعاً لاعود إلى منزلنا – الذى يبعد عن هذا المكان مسافة تقدر بالف شجرة
-  متراصة على ابعاد متقاربة –

وها انا اركض ، اوقفنى فجأة شيئاً اضخم مايكون ، لم يكن كما سبق لم استطع تحديد ملامحه ، بل على العكس استطعت رسم صورة لم تفارق خيالى

اسود الهئية كلها – مثل منخار من مناخيرى الواسعة – ضخم كصديقى السمين متراصا خمس مرات فوق بعضها ، وعرضه مثل اثنين من ذلك السمين

عيناه بيضاوان متسعتان تشعان نوراً وكأنها الشئ الوحيد الذى يتضح لى من باقى جسمه
 : امسكنى بأطرف اصابعه كذبابة على كتفه وقال لى
انا اعرفك كويس - 

 ! هتعمل اللى انا عاوزه هتنعم بالحياة ، مش هتعمل يبقى اللى انا عاوزه هيكون وبرضه مش هتنعم بالحياة 

 - صرت اضحك بصوت عالى وهستيرى مفاجئ – من آثار الصدمة غير المعقولة 
 : قائلاً 

اوعى تكون فوزى وعاملى فيها "الجريندايزر"  ... ايه اللى انت عامله ده ، ده آخر اختراعاتك ولا ايه وقمت بالـ " صكع " على هيكله وهو غير مبال للامر ، مردداً فى نفسى " ماهى خربانة خربانة

جايز ده حلم ولا حاجة
أمسكت بيدى ولسعتها بأطراف اظافرى لأتأكد ..
انها حقيقة

" ايه ده ؟!!  ايه ده ده ده ده - 

انتم ين ياعم انت وعايز ايه ؟ -

هاهاهاهاهاهاها واضح انك طفل ساذج وهتتعبنى معاك ، ندخل فى التفاصيل -
!! هتقتل 6 اشخاص على 6 ايام إذا عدى يوم وما قتلتش اللى حددناه هتتقتل بداله


اتضح الى ان الهزلية التى بدأت  اداعبها قامت بالاختفاء
ماهذا ؟! حاولت الافلات منه وواصلت فى الركوض مرة اخرى
فاذا به بين كل شجرة على الجانبين جالساً او واقفا لم انتبه ..
: يقهقه بصوت عالى قائلاً
! عيل ساذج - 



(2)
وصلت الى باب منزلنا ... الباب مغلق
فُتح مرة واحدة ببطء وسمعت صوتاً يأمرنى بالدخول ، رجعت خطوتين للوراء انظر الى واجهة المبنى لاتأكد
 !! قائلاً فى نفسى " ام الفيلم الاكشن ده انا بطلت اقرأ واتفرج ع الافلام ايه ده ؟ يارب نجينى والطف بى


رجعت خطوتين اضافتين واتأخذت وضع الركوض وقفزت تاركاً درجات السلم خلف اقدامى حتى وصلت الى الطابق الذى
اسكن فيه واجداً باب الشقة مفتوحا

دخلت وإذا بأخى صريعاً على الارض يخر دماً من رقبته وبالجانب الايسر من رقبته هناك علامة

واخى الآخر على جانبه الايمن من الرقبة علامة مختلفة

ورسومات اخرى بالدم على الارض

! طب بابا وماما -

: فجأة سمعت صوت صراخ قريباً من اذنى .. إنها امى تحذرنى
وراك وراك -

التفت وانا فى اندهاش قاتل .. لاشئ ارى امامى
 -  ولكن اين امى –  صاحبة صوت التنبيه ذو الصراخ 
التفيت حول نفسى فى مكانى وبحثت بعدها بكل الغرف

وإذ بها على مدخل الحمام ملقاة غارقة فى دمها
وصوتها المنبه كان سبب تلقيها حتفها ، واخر ما سمعت

!وبابا ؟

 ، ها ... لحظة كان مع ابى -  قبل ان اغادر المنزل  - صديق له حل ضيفاً عندنا
هل يُعقل ان يكون قد غادر بهذه السرعة؟ 
واين ابى هل ذهب لايصاله لموقف السيارات فهو قادم الينا من محافظة اخرى

 -  سمعت صوت ارتطام على الارض وصوتاً يشبه فحيح الافاعى مرة اخرى ونباح الكلاب  - التى تحت منزلنا  
تزداد وكأن الكلاب تتضاعف ورأت شيطانا لعينا
استعدت انتباهى لاعرف ما سر الارتطام هذا
وبينما انا احاول الالتفاف لانظر خلفى واذا بقدمى تلامس جسماً بشرياً .. التفتّ بسرعة مفظعة ، فاتحاً عيناى وفمى كمن اصيب بصعقة كهربائية 

!بابا ؟ -


إذاً كما أرى فى معظم الافلام السينيمائية منها والكرتونية
!! لابد ان القاتل هو من دبر كل هذا من البداية 
لاببد انه من جعل الشباح ( عفاريت البنى آدمين ) تملأ المكان وتعشش فيه
هى من فتحت الباب
هى من ظهرت لى على هيئة رجل الطريق الضخم
 !! لابد ان القاتل صديق ابى


(3)
وبينما انا سابحاً فى التفكير محاولاً حل اللغز جالساً على قدمى اشبه بالقرفصاء ، كدت ان اقع لاختلال توازنى ، فقمت بحفظ توازنى من خلال محاولة الاستناد بالارض ، لكنها لم تكن الارض
!جسم بشرى آخر ؟!!! ماذا ؟
نظرت اليه صرت ادقق فيه

فاذا به صديق ابى من اشرت اليه بالاتهام 
متجرداً من ملابسه على بطنه رسمة بالدماء ورموز اخرى ، فى الحال ورد الى ذهنى علاقتها بما رأيته على رقبتىّ اخوتى ، كما ان يداه الاثنين قد انفصلتا عن جسمه مكونتان  – فى مكان آخر –  شكل مثلث ذو ضلع ناقص لكنى وجدت  حد اقدامه تكمل الشكل وبداخل المثلث رسمة بالدماء 


!! .. كل ما اتعجب منه ليس ما أراه وإنما استيعابى للموقف
 !! وتعايشى معه دون ان اصاب بالهيستريا او الهلع والجنون 


بدأت فى تجميع كل رمز رأيته فى الأماكن المتفرقة محاولاً رسمها وإذا بالمصباح الكهربى الوحيد المضئ يهتز و ضوءه
يضمحل ويتوهج ، يضمحل ويتوهج .. وهكذا حتى انطفأ

 .. لم اكمل الرسم وتفكيك الرموز بعد 
لكننى لم اشعر بنفسى الا وانا اسفل المنزل فمن الرعب ركضت سريعاً الى الاسفل
محاولا ايجاد احد من الجيران لابلاغه
والعجيب انه لا يوجد احد

 - وهذا كان تفسير سؤالى المُلِح  – ماحدش حاسس بحاجة ؟ 

حاولت الاتصال بالشرطة وجدت هاتفى الخلوى محطما بمجرد ان اخرجته من جيبى
: لكن ماهذا خرجت ورقة مطوية فى يدى كانت ملاصقة لظهر الهاتف فتحتها لاقرأ ما بها وجدت بها 

 تعيش وتاخد غيرها .. مش قولتلك نتفق " 
" انت لا اتنفقت ولا بوظت الاتفاق انت هربت بغباوتك .. اشرب يا ساذج 

الخط بشرى ، الكلام واقعى ، التدبير شيطانى
-  الامر ليس خياليا كما توقعت بل انه مدبر باحكام من عقل عبقرى - يلعب به الشيطان كالعرائس 


الافكار تراودنى ، كل ما حدث قبل ان اغادر المنزل تسلل الى عقلى لاتذكره

: فتذكرت ان صديق ابى هذا كان يتشاجر فى الهاتف مع شخص ما قائلاً

 لا طبعاً استحالة على جثتى ده يحصل  -

: وسانده ابى رافعاً صوته هو الآخر

 ( وانا برقبتى يا (ابوالسيد  -

 ! وبالطبع الصوت تسلل الى الهاتف ليصل الى المتلقى
 ! ولابد انه كان شجاراً نتج عنه تهديد تسبب فيما حدث اليوم

حاولت الرجوع الى المنزل للبحث عن أدلة اخرى

..  " بعدما تماسكت واستعدت قواى وجرأتى وشجعاتى ، فدخلت حجرة " الصالون 
لابحث عن دليل فوجدت علامة مرسومة باحكام بالدماء
كأن القاتل يعرف ما سأفعل وأعَد له مسبقاً  ، فعدت مرة اخرى لارسم الرموز على الاوراق ،  ولكنى لم افهم ايضاً

علامة على رقبة اخى من اليسار
علامة على رقبة اخى من اليمين
 - وعلى بطن الضيف - صديق ابى
ومثلث الاعضاء  وبقع الدماء فى وسطه
وبقع الدماء المتناثر والاخرى المرسومة باحكام


(4)

قمت برسم كل هذا على الورق وذهبت لقسم الشرطة بعدها
: وبعدما قصصت ماحدث لاحد الضباط عقّب قائلاً 

امشى يا اهبل انت شارب حاجة ياض  - 
امشى بدال ما ارمي كفى الحجز وانت لسه صغير




 ( تركته متأففاً  وذهبت الى القهوة جلست لاتناول مشروبى المفضل (الكابتشينو 

رغم كل الكوارث الا اننى " كَييِف " واحب افكر بمزاج مهما كانت المصيبة .. اللى حصل حصل



حاولت استعادة بعض المعلومات القديمة التى اعرفها عن صديق ابى وابى نفسه وبعضاً من اصدقائهما وربط الاحداث
والرموز  ومارأيت ، لم استطع ، إلا عندما استعنت بصديقى السمين الذى ذكرته آنفاً

وجلسنا طوال الليل نفكر
حتى توصلنا الى انه كان هناك ضديق لابى يدعى (حمزاوى ) او كما اطلق على نفسه (ارنست) لا اعرف ما العلاقة لكنه      من فضل هذا وسمى نفسه

الاهم .. اتضح انه من الادمغة العبقرية التى لم تلق نصيباً من الحظ ، فبعدما اصيب بحالة نفسية غريبة
 ( أخذ يحاول الانتقام من اصدقائه ببراعة وترتيب وكان على رأس القائمة  (ابى وصديقه
 !! فهم يعرفان الكثير من اسراره ويعرفان ماذا ينوى


وتذكرت ان ابى قبل الحادثة بليلة كان عند صديقه هذا وحدث شجار بينهما
حيث ان ابى قد علم انه يخطط لشئ شيطانى ما فخاف ان يُفضح  فحاول الانتقام

فحدث ماحدث  وانتقم من الآخرين ، تستراً على الجريمة ولكن ذكاؤه لم يكن مكتملاً ، حيث انه نسى وجودى وما قد اكتشتفه

لكن لحظة !! كيف هذا وقد ارسل هذا الخطاب وترك ادله وراؤه استدليت بها، لابد انه يحاول الامساك بى لانى لم اكن موجوداً وقتها


(5)
- ذهبنا انا وصديقى الى منزله نراقبه وحاولنا التسلل الى المعمل - الذى هو بجانب الجراج 

واذا بى مع اول نظرة اجد الكائن الضخم الذى صادفنى آنفاً واتضح انه جهاز قد قام بتنفيذه وبرمجته آلياً وجهاز آخر حاولت تشغيله وفهمت حيلة الأشباح المشابهة لبعضها بين الاشجار
!!! انها حيل شيطانية

وفجأة اذا بباب المعمل قد اصطدم واحدث ضجيجاً وصوت آخر لفحيح الأفاعى الذى يراودنى
واذا بهذا الصديق العالم الذى اشيرت اليه كل اصابع الاتهام ( حمزاوى / ارنست ) مقتولاً هو الآخر ، وعليه علامات من  
: الدماء التى رأيتها فى منزلى ، وفجأة ظهر شخص أخذ يقهقه عالياً قائلاً

انا اللى عملت كل ده ، اهلا بيك ياحلو جيت لقبرك برجليك - 
كنت عارف انك ذكى بس ماكنتش اتوقع انك هتقع بالسهولة دى

!!انت مين وعايز ايه ؟  -

...  سيبنى اشرحلك -

 ( انا اللى عملت الخناقة اللى مابين ابوك وصحابه الاتنين  .. وانا اللى استعملت اجهزة (حمزاوى
وانا اللى دبرت الحادثة كلها

ابوك وصحابه كرهونى من صغرى
 .. احبطونى .. جابولى حالة حزن ونفسية نفس اللى جات لـ ( حمزاوى) ، بس
وهمَ ساندوه عشان كانوا اصحاب اوى ... انما انا ماكنش حد بيبحنى .. لييييه ؟

!! ده مش مبرر إنك تعمل كده -

انا بس كنت عاوز انتقم منهم كلهم ، فـ قتلتهم وكل ولادهم ماعدا انت -
واللى خلانى اسيبك انى اسيب اكتر حد كان بيتمسك بيه ابوك يعيش مذلول اوكون شفيت غليلى وعذبتك

وبرده اصحابه الاتنين (حمزاوى وابو السيد ) انتقمت منهم وخلصت ع كل ولادهم
.. ماتبقَاش غيرك
! انت والفحل اللى جمبك ده 


وفجأة سمعت صوت لاطلاق النار فاغمضت عيناى انا وصديقى متصورين اننا قد قُتلنا وإذا بالطلقة قد اخترقت رأسه
! ومات منتحراً من الغل
وانتهى ذلك الفيلم المفزع


حاولت تسجيل الادلة والبراهين للشرطة مرة اخرى للبحث فى الامر لكن الامر بدأ فى العمل
ببطء شديد ، وعشت وحيداً بلا اهل

آه نسيت ذكر اننا كنا نعيش فى بلدنا الام ، كل اهلى قد غادروا خارج البلاد لا اعلم عنهم شيئاً
صرت وحيداً لكن لدى صديق لكن ووالده لم يكن صديق لوالدى ، لكنه كان يحبنى جداً ، فأخذنى ورعانى وعاملنى كابنه تماماً


!!حُفر الامر فى ذاكرتى للابد .. لكنى عشت وكأن شيئاً لم يكن 


  - تمت -



... عبدالله فرحات 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق