قاتل من الجحيم !


(1)

اعتدت ان اسلك ذلك الطريق – المؤدى الى المقهى المفضل لدى - ، شرفات المنازل القصيرة المتدلية الى الامام
بمساحة غير صغيرة ، متراصة فوق بعضها لارتفاعات كبير ، اناس يتجولون فى الطريق ، اصوات الصياح والشتائم تعلو ، مختلطة بأصوات اذان الجوامع مع صخب المدينة الناتجة عن السيارات و " كلاكساتها " ، الحسناوات من الفتيات يجُبن
" الطريق ، ويتبخترن بمشيتهن واصوات الشباب تعلو بكلمات " ياابيض ، يا احمر .. جو الوان قوس قزح ده 



رغم كل هذا فقد كنت منعزلاً تماما هائماً فى افكارى المعتادة ، رغم انى رأيت كل هذه التفاصيل ، ولم اقم الا برسمها
! فى مخيلتى ، لم اقم حتى بالتدخل فى تلك التفاصيل لاضيف اليها


لكن كان الاهم هو ما استرعى انتباهى ، بدأت بعض القطرات تسقط على رأسى وعلى يدى ، لم اهتم فى البداية اعتقدت انها قطرات الماء لاحد احبال الغسيل المتراصة تلك الملابس عليها
!!! لكنها كانت قطرات من الدم 



(2)

عدت الى الخلف مرة اخرى لاتعرف على المكان الذى سقطت منه تلك القطرات ، فوجدته مبنى من المبانى التى يكثر الدخول اليها ، لكن كيف هذا لم يقم احدهم بالانتباه ! ، ربما لانى من قمت بالمرور من اسفل الشرفة ، ولم يمر غيرى حتى الآن مثلاً ، نظرت للاعلى ، وجدت الدم يسيل ، من يد مطروحة على الارض فى الشرفة الاولى تلك التى كانت الاقرب الىّ ، لحظة صمت وذهول لدىّ ، انها شرفة شقة احد اصدقائى – قبل ان ينتقل الى اخرى - ، نزلت الى مدخل  العمارة ، وصعدت على السلالم المتهالكة التى تكاد تكون اشبه " بسلم موسيقى " مضطرب من الاصوات التى تصدر عند
!الوطوء عليها بالاقدام البالية


اكملت الصعود حتى وصلت لباب تلك الشقة ، ضغطت على الجرس لاكثر من مرة ، لا احد يجيب ، قمت بالـ "سكع " على الباب محاولاً لفت انتباه من بالداخل ، فلم يقم احد بالفتح ، ترددت ما بين كسر الباب والدخول ، او الاتصال بالشرطة ،
! لكننى لم أتأكد بعد من انها جثة او ماشابه

فقررت الدخول ، لكن ليس عن طريق كسر الباب ، فلقد عدت للاسفل مرة اخرى ، وحاولت التسلق لصعود الشرفة ، لم يكن الارتفاع كبيراً وقد تعلمت من احد اصدقاء بعضاً من " حركات الشقاوة " واسلوب " الصعالقة الصغار " ، ولاننى كنت املك صورة مخططة لتلك الشقة فى عقلى ، فلقد دخلتها كثيراً قبل ان يتركها صديقى ، استطعت التسلق ثم الدخول ،
!ورأيت ماكنت اتوقع ... انه الرجل الذى اشترى تلك الشقة من صديقى ولكن من فعل به هذا ؟


كعادتى دائماً احب المغامرات فلقد اكثرت من مشاهدة مسلسل " المحقق كونان " عندما كنت صغيراً وقد كنت دائماً
... اتمنى ذلك اليوم الذى ساقوم باخراج " كونان " الذى يعيش بداخلى 



حاولت حل اللغز الذى اراه امام عينى فوجدت قطرات من الدم على الارض ، راسمة لخط منحنى يدل على مكان مرتكب الجريمة
تتبعت الخط المنحنى ذلك ودخلت الى الغرفة ابحث عن اى دليل ، ولدقة ملاحظتى وجدت قدماً بارزة وراء الستار ، حاولت الاقتراب ، لكننى كنت خائفاً ، ولكن بعدما تشجعت وقمت بجذب الستار وقع ماكان يحمل تلك الجثة الهامدة حتى سقطت هى الاخرى ، تلك الضحية الثانية هى زوجة صاحب الشقة 

فى تلك اللحظة ،ٍ سمعت صوت شئ ما قد سقط على الارض ، وقد تهشم كان الصوت اشبه بتكسير الزجاج ، لكن زجاج ماذا؟ ، لم اعرف ، خرجت للتحقق .. انه زجاج النافذه المؤدية الى " المنور" حاولت التتبع لكنى لن استطيع ان اقفز تلك المسافة التى يغطيها الظلام ، حاولت الاتصال بصديقى 
لكن حدثت المفاجأة ، صوت الهاتف ، انه هاتف صديقى ، هل يعقل ان يكون من فعل هذا ؟   


حاولت اعادة النظر لمكان الزجاج المكسور ، انه حذاء صديقى ( كل التفاصيل اعلمها عن صديقى لاننا معاّ دائماً .. ) ، قمت بالبحث فى بقية الشقة لاجد طرفاً لذلك الخيط المنسدل الى مالا نهاية حتى الآن ، وجدت صديقى صريعاً على
الارض ، غارقاً فى دمه فى غرفته القديمة ،  فيبدو انه دخلها ليستعيد ذكرياته القديمة ، لكن مالذى اتى به الى هنا ؟

الاهم ان الامر قد ازداد تعقيداً ، لكنى عاندت نفسى وفكرت فى حل تلك القضية وحدى ،وبينما انا مستغرقاً فى تفكيرى
فى ذلك اللغز ، سمعت صوت الهواء السريع ، كأن شخصاُ كان يجرى بسرعة هائلة ومع احتكاكه بالهواء اصدر ذلك الصوت

: بصوت اجش رحت قائلاً 

         مين هنا ؟! .. اطلع ياجبان ، واجهنى -

رد علىّ بقهقهة متقطعة ، لم اعرف مكانها بالضبط ، حاولت تتبعها وتوصلت لمكانه حاولت ان ادخل لكنى ظننت انه يحاول خداعى ، ليوقعنى فريسة له 

لكننى فكرت فى خداعه كى اوقعه هو ، حاولت الاختباء لضربه على رأسه ، لكن ماظهر امامى نفى كل التصورات ، دمية سوداء قد سقطت امامى ، قد اعدها ذلك الماكر ، قبل ان يغادر من المنور،

صوت القهقهة كان الحاسوب قد اصدره من احد الافلام المشغلة عليه مسبقاً ، فتلك هى غرفة الفتى المدلل ابن صاحب الشقة – المقتول - ، كما اتضح لى مما رأيته
!! فصورته على الجدار وقد كنت اعرفه معرفه بسيطة 


(3)

قطع تفكيرى البائس جرس الشقة المزعج ، مرة .. ثم الاخرى .. ثم الثالثة
حاولت الاختباء ، بعدما سمعت ارتطام بالباب ، كأن احدهم يحاول كسره لاقتحام المكان
كُسر الباب وكان احد الجيران الذى لاحظ بعض التفاصيل كقطرات الدم مثلاً فى الشرفة ، اصوات الزجاج منذ قليل ، و
!!  صوات الصراخ التى اصدرتها 

دخل وراؤه مباشرة ابن صاحب الشقة
- الذى بدت على ملامحه الانهاك والتعب من صعود السلالم – كما قد توقعت

: دخل الشقة قائلاً 

          فى ايه ياعم صلاح ؟  -
       !! والله يبنى سمعت اصوات غريبة وكده ، ورنيت الجرس محدش رد قلقت قمت كاسر الباب -
         ايه ده بابا ؟! بابااااااا -
          يالهووى ... استاذ حسين ، ايه اللى جراله بس ؟ -


تابعت المشهد وانا مختبئ ، بعيداً عن الانظار ، حتى لفت انتباهى (حيث انى كنت بحمد الله وفضله ذو نظر مَصْون )  ، قطرات الدم على قميصه فاتح اللون ، وبقعه على رقبته ، كأن احداً  قد امسك به قبل لفظ انفاسه الاخيرة 


كاد عم صلاح ان يتحدث بصوت مرتفع ليخبر الجميع فى العمارة ، بعد كل ما رآه ، فقد كان يحاول الاستيعاب
: لكن هذا الفتى قام ، بمعنه

        ! بس ياعم صلاح ، ده شكله تار ، وانا هحل الموضوع بمعرفتى -
         . لا يابنى ماينفعش ، انا لازم ابقى معاك ، ده ابوك الحاج حسين يعنى جارنا الجديد ، ولازم حق الجيرة بقى -
         ! عم صلاح كلمة ومش هتنيها ، لو فتحت بقك او عرفت ان الكلام وصل لحد ، هفرغ ده فـ دماغك -
.. واشار الى مسدسه الصغير 


لكن عندما اخرج مسدسه وقع معه سكين صغير كان عليه آثار الدم ، بدأت فى التأكد بانه القاتل
! كان " عم صلاح " قد ذهب ولم يرى ذلك السكين اللعين 






(4)


حاول ذلك الفتى جذب الجثث الملقاة بسلاسة ، بطبيعة انه يحاول انهاء الموقف بهدوء ، لكنه كان مرتبكاً بعض الشئ
حاولت التسلل ومسك العصا وضربه على رأسه حتى فقد وعيه 
استعدت تفكيرى مرة اخرى ، لتحليل الموقف 

لدى القدرة على حمل ذلك الفتى وتقديمه للشرطة ومحاولة شرح الموضوع بالادلة 
قمت بوضعه فى قماشة بيضاء ، بعد تغطية جسده كاملاً ومحاولة تمويه ما احمل 

! حاولت اغلاق  باب الشقة حتى لا يفسد احد الجيران سريان الخطة بنجاح 

نزلت من على السلالم ذات الاصوات المزعجة خائفاً من جذب الانتباه ، لكن لا داعى للقلق ، فانا فى الطابق الاول ليس  
 الا ، قمت بالتسلل من الشارع الخلفى ، حتى اصل الى قسم الشرطة ، الذى يبعد مسافة تقدر باقل من ربع كيلو متر 

وصلت الى قسم الشرطة ، حاول اعتراضى بعضهم ، لكننى واصلت حتى وصلت لمكتب المأمور ، قمت بالطلب منه ان يتحفظ على ذلك الشخص حتى يفيق 

: وقلت له 
! هشرحلك كل حاجة بالادلة والتفاصيل وتبعت فريق يعاين المكان وتشتغلوا -

علمت من صديقى قبل موته ، انه قد حدث خلاف على اعادة الشقة اليه مرة اخرى ،لكنه لم يستطع ، فعلم الابن بالامر وكان يحاول الحصول على الشقة لنفسه ، وكان يعلم بامر ذلك الخلاف 
وكان يريد ان " يلفق " التهمة لصديقى لكنه لم يستطع فقتل الجميع 
! واستنتجت ذلك من خلال قتل والديه كثيرى الشجار معه  

لم يستطع تنفيذ الجريمة الكاملة ، حيث انه وجد صديقى فى منزلهم عندما اتى للشقة 
وكانت فرصته للتخلص من الجميع لكتم الاسرار 
فقد اتى صديقى فى لحظة غير مناسبة فقام بقتله ، لكنه كان ذكياً يحاول اخفاء الادلة ، لكن كان يريد جذب انتباهى
!! وحيداً ،  وهذا مازاد اهتمامى بالامر اكثر 

لكن تركت السكين فى مكانه واعلمت الضابط بكل هذا وطلبت منه التأكد من الادلة والبصمات 
حتى قامت التحريات ، بكشف صحة الادلة وصحة ما توقعت 

وحينما افاق الفتى وجد نفسه بين ماضغى الاسد فهو فى قسم الشرطة والادلة تحاصره 
قام بالاعتراف .. كانت توقعاتى صحيحة ما استنتجته كان سليماً 

خرجت من قسم الشرطة تاركاً لهم اتمام المهمة ، واكملت طريقى الى المقهى 
لاقابل اصدقائى واقص عليهم ماحدث ، فانا اعشق المغامرات 
لكننى انبهرت بشدة 
!! حتى اتتنى مكالمة ، تخبرنى بهروب القاتل ومحاولته تتبعى 


حتى اتتنى مكالمة اخرى 
: قمت بفتح الخط للحديث ، سمعت المتحدث يقول 

بص ياحبيبى اذا كنت فاكر انى هروح فيها تبقى بتحلم  -
الفكرة فى ان كل الحاجات اللى حصلت دى محدش شافها غيرك، انك انت المقصود ، الدور الجاى عليك ، قال اتحبس
!! قال ..  وحيات امك الغالية لتشوف


! اغلقت الهاتف مفزوعاً ، ولم اعقب 

- تمت - 

عبدالله فرحات ... 15 يونيو 2013 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق